التقديس والإهانة!
أكثر من واقعة شهدناها مؤخرا استأثرت باهتمام واسع للرأى العام تكشف أن مجتمعنا يعانى من مرض مزدوج، كل جانب فيه يتناقض مع الآخر، وهو مرض التقديس والإهانة!
فنحن من ناحية نميل بشدة إلى تقديس بعض الأشخاص في حياتنا السياسية والاجتماعية وأيضًا الدينية.. حيث نحيط هؤلاء بهالة مقدسة ونرفض مجرد توجيه نقد لهم أو الإشارة لبعض سلبياتهم وأخطاءهم، بل وحتى الاختلاف معهم ورفض بعض ما يقولون به.. رغم أن هؤلاء في النهاية بشر، والبشر غير معصوم من الخطأ..
ورغم أن مجتمعات كثيرة قبلنا سبقتنا في سحب القداسة عن رموزها، سواء من الحكام أو المفكرين أو النجوم، أو من رجال الدين أيضا.. فهم يتعاملون مع هذه الرموز كبشر يمكن الاختلاف معهم ورفض بعض ما يقولون به أو بعض تصرفاتهم ومواقفهم.. ولعل هذا هو جوهر الحياة الديمقراطية، وجوهر أهم مبادئ الدولة الوطنية، وهو مبدأ المواطنة الذي يساوى بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، ولا يفرق بين نجم مجتمعى ومواطن عادى، وبين حاكم ومحكوم، ولا يمنح رجال الدين ممرات خاصة أو يعفيهم من نقد الآخرين لهم.
وفى المقابل نرى في مجتمعنا النقيض تماما وهو الميل إلى إهانة الرموز وأحيانا بشكل ممنهج ومتعمد وبشكل سخيف وفج ومرذول.. لا احترام لمكانة أو سن أو دور.. وصارت لغة الشارع كما نقول هي اللغة السائدة في التعامل مع هذه الرموز.. وبالتأكيد ليس هذا أمر جديد في مجتمعنا، ولكنه أمر زاد عن الحد فيه مؤخرا..
وأظن، وليس كل الظن إثما، أن بعض أكاديميات التغيير التي أسستها أجهزة مخابرات في بعض الدول في إطار الإطاحة بالأنظمة السياسية، خاصة في منطقتنا، كان لها دورها في ذلك، لأنها كانت تدرس للشباب والشابات كيف يتم إهانة الرموز المجتمعية، السياسية والأمنية.. وعندما بدأ البعض يتجرأ على الرموز كان من الطبيعى أن ينساق آخرون وراءهم، حتى صارت لغة الحوار على مواقع التواصل الاجتماعى تتسم في الأغلب الأعم بالبذاءة، ويطغى عليها الشتائم.
وهكذا هو مرض مجتمعى خطير يجعلنا نقدس البعض ونهين البعض الآخر.. وهذا يعكس خللا في منظومة القيم الاجتماعية، لن نتمكن من إصلاحه إلا إذا تمكنا من إصلاح العلاقات الاجتماعية، بدعم ومساندة الطبقة المتوسطة التي هي دوما مخزنا للقيم الإيجابية في أي مجتمع.