رئيس التحرير
عصام كامل

الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا.. وطن «أمراء الإرهاب» الجديد.. أردوغان يوزع الغنائم على حلفائه تحت راية «الجيش السوري الحر».. ويخطط لتغيير البنية السكانية في المنطقة

القوات التركية -صورة
القوات التركية -صورة ارشيفية

«الشريط الحدودي في الشمال السوري».. يمكن وصفه بأبرز المناطق الملتهبة في العالم خلال الوقت الحالى، غير أن النظرة المتأنية إلى ما يحدث هناك، فإلى جانب الأزمات والكوارث الإنسانية التي ستكشفها، فإنها في الوقت ذاتها، ستزيح الستار عن واحدة من الألاعيب الإخوانية «القذرة» التي تتقن جماعة الإخوان الإرهابية تنفيذها وبحرفية تحسد عليها، فـ«الشريط الحدودى» الذي تمكن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من اقتناصه خلال حربه الأخيرة مع الأكراد، تحول إلى أداة لتنفيذ خطة شيطانية تخدم مصالحه الأيدلوجية، باستخدام الإخوان والإسلاميين من كل التيارات، التي تفنن في صناعاتها منذ اندلاع ثورات الربيع العربي وحتى الآن.


بعد انتهاء العملية العسكرية التركية، يتفرغ «أردوغان» حاليا، لتوزيع الغنائم على المنتسبين للتيارات الدينية، والذين شاركوا في إنجاح العملية، تحت راية ما يسمى بالجيش السوري الحر، لا سيما أنه لم يعد في حاجة لإخفاء انحيازه الصارخ لمصالح التنظيم الدولي للإخوان، بعدما أصبح زعيمه التاريخي، لذا يسعى إلى توطين الإسلاميين جميعا، وتمكينهم من الشريط الحدودي الذي جرى إخلاؤه بالقوة العسكرية المفرطة.. لكن كيف سيحدث ذلك؟

الإجابة عن السؤال السابق تتلخص في أن الهدف الأساسي لتركيا لم يكن فقط مواجهة قوات سوريا الديمقراطية الكردية والقضاء عليها فحسب، بل تغيير البنية السكانية في المنطقة، وخلق تركيبة جديدة تزاحم السكان الأكراد في شمال وشرق سوريا، وإنشاء «حزام تركماني» بطول خمسة كيلو مترات، وبالتالي يتضح أن الهدف الأول للرجل حاليا توسيع دائرة الصدام، وإدخال متنافسين جدد على المصالح في المنطقة، في حربه ضد الكرد، بحيث يتولى «الإسلاميون العرب» -إذا شئنا الدقة- الذين يستقدمهم حاليا لتوطينهم في المنطقة، المواجهة القادمة ضد الأكراد، ويخوضون حربا بالوكالة، دون الحاجة لاستدعاء الجيش التركي، وهي سياسة أصبحت تبرع فيها كل الأذرع الدينية بالمنطقة.

البحث في كيفيات تنفيذ الفكرة، يجعلنا في حاجة لتحليل مرجعيات الجماعات الدينية، التي تشكل القوام الرئيسي لما يسمى بالجيش الوطني السوري، الممولة بالكلية من أردوغان، والذي يتشكل من مجموعات مختلفة من التنظيمات الدينية المسلحة، الإخوان وتنظيم القاعدة، وتنظيمات سلفية جهادية هجينة، لكنها تدين بالولاء لمن يدفع لها، وترى في أردوغان حاكم إسلامي قوي، يمكنه قيادة مرحلة انتقالية، تمهد لتمكين ما يسمى بالمشروع الإسلامي من المنطقة كاملا في فترة لاحقة، وتتألف أبرز المجموعات التي ستسكن النظام الحدودي الجديد من «أحرار الشرقية» وهي مجموعة داعشية متوحشة تركت دير الزور وذهبت إلى إدلب، المتهم الأول في جرائم التعذيب، والمتهم الأول أيضا في اغتيال الأمين العام لحزب مستقبل سوريا، عفرين خلف، كما يضم تشكيل السكان الجدد، «أحرار الشام» وهي واحدة من أفرع تنظيم القاعدة، وتنشط على نطاق واسع في سوريا ولها علاقات قوية مع جبهة النصرة، ومن أكبر المجموعات الدينية التي تأسست عام 2011 وترتكز حاليا في إدلب، وشاركت في احتلال عفرين.

كذلك سيكون من حق مجموعة صقور الشام، وهي فرقة دينية متشددة، تأسست عام 2011 من قبل الجهادي المتطرف أحمد أبو عيسى، وعملت على نطاق واسع مع جبهة النصرة، وانضمت لاحقًا إلى أحرار الشام. وأغلبها من الجهاديين الأجانب، وكانت من أهم المشاركين في احتلال عفرين.

وينضم إلى السكان الجدد أيضا فيلق الشام، وهي مجموعة دينية تدين بالولاء المطلق لتركيا، وواحدة من أكثر الهياكل التي تعتمد عليها في تنفيذ خطتها لإعادة التوطين، وبجوارها فرقة الحمزة، وهي من أهم محاور اتصال تركيا بتنظيم داعش، حيث يرأسها العضو السابق في التنظيم سيف أبو بكر، وشاركت في احتلال عفرين، وتساند هذه المجموعة، مجموعة أخرى تسمى «جيش الأحفاد»، وكانت جزءا من فرقة الحمزة، وشاركت أيضا في احتلال عفرين.

أما على مستوى المجموعات المهجنة عرقيا، فأبرزهم لواء سمرقند، وهي مجموعة تأسست عام 2016 في ريف حلب بدعم من الدولة التركية، وتتألف من أشخاص من آسيا الوسطى، وخاصة الأوزبك، وتم تأسيس هذه المجموعة تحديدا لمحاربة الأكراد ونظام بشار الأسد، لذلك لايستغرب مشاركتها في العملية التركية، وتحديدا «احتلال عفرين».

«الخلطة الأردوغانية» هذه، توضح دون شك، كيفية تمكين الإخوان والإسلاميين الموالين لهم من حزام التركمان الجديد، وأي قراءة لخطة الانتشار التي تتبعها تركيا بعدما سيطرت على الأرض من الكرد، تؤكد أنه هناك سعي شيطاني لتمكين الجيش التركي الذي سيحتفظ بالبقاء على النقاط الإستراتيجية بالمجموعات الحدودية، وستكون له السيطرة الكاملة دون أن ينزلق مرة أخرى إلى مستنقع الحرب مع الكرد، وسيترك وكلاءه المحصنين بأيديولوجية دينية تعتبر كل بلاد المسلمين حق لكل مسلم، في صراعات فكرية ودينية طويلة الأمد، فتصرف الانتباه عن الأزمة التركية الكردية، وتجعل حق البقاء في المنطقة للأقوى، والأكثر قربًا من الكفيل الجديد للمنطقة «أردوغان».

ما يثير الانتباه، أن ما يحدث الآن في المنطقة، تم الإعداد له منذ عقدين من الزمان، وتحديدًا منذ «اتفاقية أضنة» الموقعة بتاريخ 20 أكتوبر عام 1998، بين الدولة التركية والنظام الأسدي، بعد سلسلة من التوترات كادت تشعل حرب بينهما، وهذا الاتفاق استثمرته المخابرات التركية الاتفاقية على مرحلتين، الأولى شيطنة الوجود الكردي في المنطقة، وخلق ذاكرة دولية تدين أي نشاط فيها، اعتمادا على اعتراف مؤسسات دولية وإقليمية من ذوى الشأن، مثل الجامعة العربية، التي دخلت طرفا في الاتفاق بين سوريا وتركيا، وألزمت الدولة السورية آنذاك، بتجريم نشاط حزب العمال الكردستاني، ومنع رئيسه من التواجد في الأراضي السورية الحدودية، أو الانطلاق منها لمواجهة الأطماع التركية في المنطقة، والثانية ما يحدث الآن من توطين للجماعات الدينية التي تدين بالولاء لتركيا.

أطماع «أردوغان» كان يدركها الأكراد جيدا على ما يبدو، وهي أيضا تفسر لماذا يقُتل أغلب قادة الميليشيات الدينية الموالية لتركيا في أحداث غامضة، وذلك حتى تظل هذه التنظيمات خاضعة طوال الوقت، دون قادة أقوياء يمكنهم مواجهة مطالبة تركيا بحقوق سيادة، أو تتعامل معها الند بالند لاحقا، وليس بمبدأ الموالاة الكاملة، كما يفعل إخوان مصر.

ويكمن الاستناد إلى واقعة قتل قادة الصف الأول في أحرار الشام، بحادث تفاصيله غامضة إلى الآن، ولم يوجه الاتهام رسميًا إلى أي طرف، ولم تستطع الجماعة إثبات تورط المخابرات الإماراتية في القضية، بعدما اتهمتها بشكل ساذج، في ترتيب العملية، فقط لأن أحرار الشام على علاقة تنظيمية وفكرية مع تيار الصحوة الإخواني في الخليج، وربما المكسب الوحيد إثبات انتماء المجموعة للإخوان، بعدما كان التنظيم يجاهد بعزم لإنكار ذلك.

كل ما سبق، يؤكد أن محاولة «أسلمة» الشريط الحدودي الجديد، ليس إدعاء، ولكن الوقائع وحدها تثبت ذلك، فالتركيبة الحدودية الآن، تضم إلى جانب العرب، إسلاميون من أوزبكستان، وطاجيكستان، ومن آسيا الوسطى أو من القوقاز، وهؤلاء جميعا أتوا إلى سوريا بدعم وتحريض تركي، للمشاركة ضمن التيارات الدينية المقاتلة، واستقروا على الحدود، في إدلب، وجبل الأكراد، وجبل تركمان، وعلى معبر باب الهوى الحدودي، وفي مقاطعات سندرياس، وشرق الفرات.

كما أصبحت هذه التيارات الدينية الهجينة بموجب عملية «نبع السلام» التركية أصحاب أرض، فمن ناحية ستجعل الولاء الكامل على الجميع لتركيا، ومن ناحية أخرى، يكون أردوغان ضمن عدم سيادة «العرب» على المنطقة، حتى لا يكرر الأزمة الكردية بطريقة أخرى بعد عشرات السنوات، وتظل الفكرة العثمانية وحقها في السيادة على الأمة تحكم الجميع.

بدوره أكد جليبر الأشقر، الكاتب والباحث في شئون الجماعات الإسلامية،أن «الإخوان تدعم أي خطة تنصب من حليفها الأكبر أردوغان على كل بقعة إسلامية في المنطقة، وفي سوريا تستعين بمرتزقة من خارج أهل البلاد، لتمكينهم من مخططاتهم».

وأوضح الباحث أن «اجتياح الشمال الشرقي السوري، لم يكن إلا تنفيذ حرفي، لمخططات الهيمنة التركية على الإقليم، وهي أكبر أحلام أردوغان، وإن كانت من ناحية أخرى تعتبر فخًا كبيرًا للخليفة المنتظر، فأنقرة تخسر يوميا حلفاء دوليون، بسبب مخططاته الاستعمارية في المنطقة، التي يحاول من خلالها فرض واقعا جديدا، يعيد حلقة التاريخ إلى الوراء، ولن يسمح له أحد بذلك». على حد قوله.

نقلا عن العدد الورقي
الجريدة الرسمية