ميثاق الحب
لماذا ننتظر حتى يموت من بيننا وبينهم خصومة حتى نسامح ونعفو عن الإساءة؟ لماذا لا نسامح ونعفو وهم على قيد الحياة؟ لماذا ننتظر إسدال ستار النهاية، لحظة اللاحياة، ثم نتمنى عودتهم، داعين الله أن يسامحهم بعد أن فقدنا فرصتنا الأخيرة معهم؟
تشخص أنظارى صوب المحطة النهائية، حين يسكن الجسد، ويُكسر العنفوان، وتولى القوة، ويذهب النفوذ، ونصبح أجسادا مسجاة، يلتف حولنا الناعون، ويقبل جباهنا المودعون، ويدعو لنا الأقربون بأمنيات الرحمة والمغفرة.
قد أقسو أحيانا، ثم أتراجع نادما، ملتمسا السماح والعفو ممن ظلمت، وأضع الآخرين مكانى في هذا الموضع، ملتمسا مودة وحبا وحنانا يدفئ الصدور، يبعد الوحشة عن القلوب، ويروى النفس بالطمأنينة.
سنصير أجسادا بالية، وعقولا منطفئة، وقلوبا معطلة، تنتفخ أوداجنا في نشوة زائلة، بالقسوة على من هم أضعف، وبالتمادى في هجران من أساءوا، وفى عين الحقيقة فشلنا فشلا ذريعا في اختبار انسانيتنا وآدميتنا.
يوم أن فكر أستاذ الأجيال الراحل "مصطفى أمين" في ابتكار مناسبة عيد الحب المصرى، لم تأت الفكرة من فراغ إلا حينما شعر قسوة في القلوب وتحجرا في المشاعر، شاهدها في جنازة سيدة عجوز تخرج من أحد مساجد السيدة زينب مشيعا إياها ثلاثة أشخاص فقط! ماذا جنت هذه السيدة كي يتركها الناس وحيدة إلى آخرتها؟
حين تكون مُتسامحًا مع من أساء، ومحبا ومترققا لمن هو أضعف، ستتجاوز بقوة غير عادية أخطاء الغير تجاهك، لن تفكر في انتقام، أو إيذاء؛ سيهون الماضي المليئ بالكُراهية، ستتعامل بالرّحمة واللطف وتلمس الأعذار، فما كان ذلك دلالة على الضعف، والتهاون؛ بل هو ضبط إيقاع النفس، وإحباط رغبتها العارمة في شهوة الانتقام.
لنفتح ميثاق الحب والتسامح، بلا هدف، أو رغبة، شركاء في الإنسانية، نسلا واحدا من آدم تختلف مذاهبنا ولكن يجمعنا رباط البشرية الوثيق، لنتذكر ونحن نقسو ونعنف ونكره، ذاك الجسد المُسجى، ينظفه المغسلون من أدرانه، نستوعب حين تُقلب أجسادنا يمينا ويسارا لا تملك من أمرها شيئا، تصاحبها همهمات حزينة صامتة مودعة، فقط لنتسامح، أو على الأقل نشرع في طريقة وسننجح.