وماذا بعد؟
على مدى سنوات طويلة ماضية (وحتى الآن) تناول العديد من الكتاب، والمفكرين، والخبراء، والمتخصصين، بالبحث والتحليل الهادف، قضية فساد وإهمال وتردى منظومة المحليات في مصر من جميع جوانبها، وبينوا بمنتهى الأمانة والموضوعية والشفافية والفهم العميق، الآثار السلبية العديدة شديدة الخطورة التي تعود على الوطن من جراء ترك هذا الورم السرطانى الخبيث مغروسًا في جسده، دون علاج جذرى فعال يقضى على الأسباب الحقيقية المسببة له (والتي نعلمها جميعًا).
وأرجو أن نتذكر كم وزيرًا للتنمية المحلية، وكم لجنة إدارة محلية بمجلس النواب، وكم رئيسًا لمجلس النواب، وكم رئيسًا لمجلس الوزراء، وكم........ إلخ، قد تعاقبوا تباعًا علينا خلال تلك السنوات الطوال ونحن محلك سر ولم نتقدم ولو خطوة واحدة في هذا الملف الذي استعصت حلوله على الجميع، وبالطبع نظرة بسيطة على حال شوارعنا الداخلية، وأرصفتنا، ومبانينا، ونظام جمع قمامتنا، وإشغالاتنا، وضوضائنا، ومقارنتها بمثيلاتها في معظم دول العالم (المتقدم منها والمتأخر) ستدلنا بمنتهى الوضوح الذي لا لبس فيه عن مدى السوء الذي تتمتع به هذه المنظومة في بلادنا.
لذلك فإننى أرجو من الله ألا نتعامل مع أزمة المحليات هذه المرة بنفس الأسلوب الخاطئ الذي نتبعه على الدوام في امتصاص موجة النقد الحاد، والغضب العارم، ثم العودة إلى المربع (صفر) مرة أخرى.
من المهم للوطن هذه المرة أن تكون المشاهد المسيئة والمؤلمة التي استعرضناها جميعًا خلال الأيام الماضية والتي يصعب للغاية أن تمحى بسهولة من الذاكرة، وكان أشدها إيلامًا وجرحًا للكرامة الوطنية مشهد غرق مطار القاهرة من الداخل، خير دافع لجهات الاختصاص على إيجاد حلول جذرية لهذه القضية التي طال أمد سوء إدارتها..
وأرجو أن نقتدى في هذا الشأن بدول العالم الأول التي تسند الحلول فيها إلى المختصين الحقيقيين في علوم الإدارة، وعلوم إدارة التغيير الحديثة، والتي يتم فيها على سبيل المثال إسناد عملية اختيار القيادات والمسئولين على كافة المستويات إلى خبراء ومختصين في مجال الموارد البشرية، والذين بدورهم ينتقون المرشحين للمناصب على أساس معايير الوصف الوظيفى، ومعايير خريطة الجدارات، ولا شىء سواهما، (وهو ما لا نفعله بالتأكيد) لأننا ما زلنا متخصصين في فنون العشوائية والأهواء والمجاملات.
والسؤال الأهم للوطن حاليًا الذي يجب أن نطرحه الآن على كل المسئولين فيما يختص بقضية المحليات هو: وماذا بعد؟
أرجو من الله جل وعلا أن تكون الإجابة هذه المرة في صورة إجراءات صحيحة، وجذرية، وفاعلة، ومؤثرة، عما اعتدنا عليه.
والله من وراء القصد.