رئيس التحرير
عصام كامل

منتصر عمران يكتب: بعيدًا عن أزمة سد النهضة.. مصر تحت خط الفقر المائي رسميا

منتصر عمران
منتصر عمران

أزمة سد النهضة الإثيوبي زادت حدتها في الآونة الأخيرة، وخاصة بعد تصريحات أبى أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، والتي أعلن فيها أن إثيوبيا تستطيع أن تحشد الملايين من الشعب الإثيوبي من أجل صد أي عدوان على السد.. قبل أن يتراجع عن تلك التصريحات، ويؤكد أنها وضعت في غير سياقها.

والغريب أنه بعد هذه التصريحات بساعات حدثت اضطرابات شهدتها بعض مدن إثيوبيا بسبب اعتقال عدد من النشطاء المعارضين لرئيس الوزراء الإثيوبي.
وبعيدًا عن أزمة سد النهضة التي أرى أن يترك مسألة حلها للقيادة السياسية وأن الطريق الوحيد لحل هذه الأزمة المفاوضات والطرق الدبلوماسية وليس العمل العسكري.
نأتي إلى القضية الأساسية حتى نعرف حقيقة الأزمة، وهي أن للأسف أن مصر، وبصفة رسمية دخلت مرحلة الفقر المائي، وذلك بناء على حسابات واقعية، وليس تكهنات حيث إن أقل من 500 متر مكعب من المياه للفرد سنويا تكون دولة هذا الفرد دخلت تحت خط الفقر المائي.
وبما أن مصر حصتها في مياه النيل 55.5 مليار متر، وذلك حسب اتفاقية عام 1959، وكان عدد سكان مصر يومها لا يتعدى ثلث عدد سكان مصر اليوم، والتي يبلغ عدد سكانها الآن 110 ملايين، وعليه، وبحسبة بسيطة فقد دخلت رسميا تحت خط الفقر بغض النظر عن أزمة سد النهضة؛ لأن نصيب الفرد في هذه الحالة يقل عن 500 متر مكعب سنويا.
وعليه فلا بد من الحكومات المصرية الحالية والقادمة أن يكون برنامجها الرئيسي عن البحث عن روافد أخرى للمياه، وليس بديلا عن مياه النيل.
فحصة مصر من مياه النيل كانت تكفي وزيادة بل و"نبلبط" في المياه ليلًا ونهارًا، ونرش ميه أمام البيوت و"نربرب" الشوارع براحتنا عندما كان سكان مصر ثلث عددنا اليوم.
أما الآن فلا بد من اكتشاف منافذ أخرى للمياه مع ضرورة الترشيد الذي أمرنا به الإسلام، وهو لا تسرف في الماء، ولو كنت على نهر جارٍ.
وهنا أذكر أن هناك دراسة أعدت بين الدول العربية لإنشاء خزان مشترك، والآن أصبح هذا الخزان المزمع إنشاؤه حسب الدراسة التي أعدت قضية هامة، ولابد من العمل على وضع إستراتيجية عربية للمياه أو إستراتيجية إقليمية لاستخدام المياه المشتركة سواء في الأنهار أو الخزانات المشتركة، وكذلك تبادل المعلومات الخاصة بالمياه حتى نتجنب التأثيرات السلبية من الاستخدام الجائر للخزان الجوفي بالدول العربية.
ولا بد أن يكون هناك في هذا الشأن تعاون وتبادل الخبراء بين الدول العربية ودول أمريكا الشمالية والجنوبية في مجال الموارد المائية والزراعة، وخاصة في مجال زيادة قاعدة الري وحصاد المياه والتنبؤ بالأمطار ومعالجة واستخدام المياه المالحة وتحلية مياه البحر.

بالإضافة إلى أن هناك خبرات خليجية في استخدام المياه الجوفية وتحلية مياه البحر وضرورة تفعيل دور المجلس العربي للمياه كآلية لتنشيط التعاون بين الدول العربية ودول أمريكا الشمالية والجنوبية في مجال الموارد المائية، إضافة لضرورة تنسيق المواقف العربية ودول المنابع والحفاظ على مصادر المياه وتنشيط استثمارات المياه لتجديد الثروة المائية العربية حتى لا يتضاعف عدد الدول العربية التي تقع تحت الفقر المائي لأن المنابع تقع خارج الوطن العربي.
والجدير بالذكر أن مشكلة ندرة المياه في الوطن العربي تعد من أبرز المخاطر التي نواجهها لأن قضية المياه قنبلة موقوتة، وترتبط بالأمن الغذائي العربي ودون توفير المياه اللازمة سيكون الأمن القومي العربي كله مهددًا في العديد من جوانبه.
وحيث إنه تقع منابع نحو 60 % من الموارد المائية خارج الأراضي العربية؛ مما يجعلها خاضعة لسيطرة دول غير عربية تستطيع أن تستخدم المياه كأداة ضغط سياسي أو اقتصادي على مصر وبقية الدول العربية، وهو الأمر الذي يزيد المسألة تعقيدًا نتيجة لما تعانيه مصر من فقر مائي قد يصل في وقت قريب إلى حد الخطر مع تزايد الكثافة السكانية وعمليات التنمية المتواصلة.

وحتى تتجنب مصر الصراعات المتوقعة بسبب المياه والتي لا تتوقف على مصر وحدها بل يمتد خطرها إلى الدول العربية بأثرها، وهو ما يتطلب مزيدا من التعاون العربي وتكوين إستراتيجية عربية موحدة للمياه.
الجريدة الرسمية