"التصوير بينوّر حياتي".. قصة "تقى" الكفيفة مع احتراف التصوير (فيديو وصور)
بخطى حثيثة تسير "تقى هشام" 18 عاما، ناحية حامل الكاميرا المعدني، تسترق السمع حولها لتتبين ما إن كان أحد يسير أمامها أو بجانبها أم لا، تقترب أكثر فأكثر من الحامل، تتحسس الكاميرا مكتشفة أزرارها، أي منها الخاص بالتركيز على الزاوية التي سيتم تصويرها، وآخر الخاص بضبط الألوان وإضاءة الصورة، حتى الوصول إلى زر التقاط الصورة، وفي تناغم فريد تسير أطرافها فوق الكاميرا، "قالوا لي التصوير للي بيشوفوا ونظرهم جيد فقط، قلت لهم أنا بحب أصور وهتعلم التصوير زي المبصرين وأحسن"، تتحدث تقى التي ولدت غير قادرة على الإبصار بسبب انفصال شبكية العين نتيجة للولادة في الشهر السادس.
قبل نحو عام من الآن، كانت تقى رفقة والدتها في نادي الطيران بمصر الجديدة، فالأسرة ضمن أعضاء النادي منذ عدة سنوات، اقتربت منها سيدة علموا بعد ذلك أنها زوجة المهندس "خالد فريد" المصور الصحفي ومدرب الكوركيت بالنادي، وصاحب مبادرة "قد التحدي" لتعليم المكفوفين فنون التصوير، ألقت عليها السؤال عفويا، "تحبي تتعلمي التصوير يا تقى؟". يبدو وكأن السيدة أيقظت شغفا كان حبيس الظرف الراهن لعدة سنوات، "وافقت من غير تردد وانضممت للمبادرة كنت في الثانوية العامة، لكن وجدت أخيرا حلمي في تعلم التصوير بالكاميرا هيتحقق".
ولأن الحلم لم يكن وليد اللحظة التي ألقت فيه السيدة السؤال، بل أبعد من ذلك بكثير فما كان من تقى ووالدتها إلا أن وافقتا دون تفكير ولكن ظلت العقبة في الوالد الذي كان يخشى طوال الوقت أن تخاطر تقى بأمور لا تتناسب مع حالتها، "والدي طول الوقت بيخاف عليا وبيرفض إني أعمل اللي بيعمله إخواتي لكن ماما بتشجعني إني أغامر وأندمج مع المبصرين".
في بيت العائلة الكائن بحي السكاكيني في القاهرة، يلفت نظرك للوهلة الأولى العدد الذي لا حصر له للصور التي تجمعها الأم معا في ركن الذكريات بالمنزل، في كل صورة تبدو تقى في مرحلة عمرية تختلف عن الأخرى. كل عام من أعوام تقى الـ 18 وجد له ذكرى خلدتها صورة ما في ألبوم الصور، "أنا لأني بحب التصوير من صغري وكنت باخد من ماما الموبايل وأصورهم وأقولها تعرفني الكادر مظبوط ولا لأ وأبتدي أصور"، فكان من الطبيعي أن تهتم تقى بتوثيق فترات حياتها المختلفة وتحرص تمام الحرص على ذلك.
قد يتساءل البعض ما أهمية الصورة إذا كانت لن تتمكن من رؤيتها وتحديد ما بها من تفاصيل، وجهها، ملامحها، ملابسها وحتى ابتسامتها، لكن الإجابة كانت حاضرة عند تقى، "التصوير هو اللي بينور حياتي كلها مقدرش أتخيل حياتي لو مكنتش بمارس التصوير وأجمل وقت هو اللي بكون ماسكة فيه الكاميرا وبصور سواء مكان أو شخص ما"، فقد سبق لتقى ونجحت في تصوير فريق كرة القدم بنادي الطيران حينما التقت به مصادفة في إحدى المرات التي كانت تتمرن فيها على التصوير مع أعضاء المبادرة، "اتفاجئوا إني صورتهم صور مضبوطة وسليمة وفرحوا بيا جدا".
خلال العام المنصرم وحتى هذه اللحظة دأبت تقى على حضور كافة المحاضرات التي يلقيها المهندس خالد على أعضاء الفريق، والتي عادة ما تكون في يوم السبت من كل أسبوع، فتكون في مصاف الحضور، وعلى قدر عدد الساعات التي قد تمتد لأكثر من ثلاث ساعات، تحاول تقى جاهدة أن تلم بكافة آليات التصوير، وصنوفه ودروبه المختلفة، "خلال السنة اللي فاتت كنت بداوم على الحضور ماعدا آخر أيام الثانوية العامة علشان أقدر أذاكر، اضطريت أقعد وكنت حزينة لأنه التصوير بيساعدني أخرج من مود المذاكرة وقادر دائما يبسطني".
ولأن التصوير في المقام الأول وربما الأخير يعتمد بشكل كلي على حاسة البصر، تحاول تقى من خلال آلية اكتسبتها خلال فترة تدريبها على مدار عام كامل مع المهندس خالد خلال ورشة لمبادرة" قد التحدي" لتعليم التصوير الفوتوغرافي للمكفوفين، وهي الاعتماد على مصدر صوت الشخص الذي ستقوم بالتقاط الصورة له، فتضبط الكاميرا على وضع التصوير، ثم تخبر الشخص بأن يتحدث بأي شيء حتى تتبين موقعه بالتحديد، "الشخص بيقول لي أي جملة بعرف هو فين وبضبط زاوية تصويري على الأساس ده، أما لو كنت بصور شيء فبحدد بالضبط موقعه من خلال لمسه، وببعد أربع خطوات للخلف، ثم التقط الصورة".
استكمالا لحرص تقى الدائم على تحدي كل ما هو صعب ويقارب المستحيل، تريد أن تستكمل مسيرة التصوير، تحترف التصوير الصحفي وتعمل به بعد التخرج من كلية الألسن قسم اللغة الإيطالية، "أنا عارفة إنه صعب لكن نفسي أكون مصورة صحفية وأبقى ملمة بكل حاجة بتحصل في بلدي ونحوا في العالم".