ليست قضية الدكتور غنيم!
ردود الأفعال التي أعقبت حوار الإعلامي "عمرو أديب" مع الدكتور "محمد غنيم" لم تفاجئنى، كانت متوقعة لما طرح من رؤى ليست محل اتفاق، وسواء الذين رحبوا بما تضمنه الحوار، واعتبروه خطوة على طريق فتح الأبواب أمام أصحاب الآراء المعارضة، أو الذين لم يخفوا انزعاجهم من طرحها، ورفضوها دون أن يقدموا رؤى جديدة.
وبدلا من النقاش الموضوعى هاجموا الرجل باعتباره من زمن آخر، وجيل توقف عن العطاء السياسي وليس مؤهلا للحديث عما يجرى في مصر الآن، وكأن الانشغال بهموم الوطن يجب أن يقتصر على أبناء هذا الجيل وحدهم، وليس من حق الدكتور "غنيم" بكل تاريخه العلمى والوطنى أن يعبر عن آرائه، التي تحتمل الخطأ والصواب، وبعيدا عن تلك الخلافات التي تناولها العديد من الصحفيين، توقفت طويلا أمام تلك الحالة التي أوجدها هذا الحوار في المجتمع.. وليس في وسائل الإعلام وحدها.
كشف الحوار عن وجود تيارين داخل الدولة المصرية، يدافع كل منهما عن رؤيته للقضايا المصيرية، وفى مقدمتها ما يتعلق بالإصلاح السياسي، والموقف من المعارضة، وحرية الإعلام ودور المجلس النيابى، أحدهما يرفض بشدة مصطلح الإصلاح السياسي، ويرى أن التعدد الحزبى يقود البلاد إلى مخاطر هي في غنى عنها، ولا يقبل الصوت المعارض، بل ويضيف إن كل توجه مخالف للسياسات القائمة هو في قائمة الأعداء وعملاء الدول الأجنبية، وقد فرض أصحاب هذا الاتجاه توجهاتهم على المجتمع طوال السنوات التي أعقبت ثورة يناير بحجة الحفاظ على الأمن.
التيار الثانى وهو الأضعف إعلاميا، وإذا كان الأكثر تعبيرا عن الشارع المصرى يرى أنه إذا كان المنطق الآخر مقبولا، لأن الأمن لم يكن قد استتب بعد فإنه ليس مقبولا الآن..
خاصة أن الشعب رفض كل الدعوات التي تروج للتغيير الثورى، وأخيرا أدان الدعوة التي وجهتها جماعة الإخوان للنزول إلى الشارع والتفوا حول القيادة السياسية، أصحاب هذا التيار يدعون إلى الإصلاح السياسي، وإتاحة الفرصة للمعارضة أن تعمل في النور، حتى تسد الطريق على الجماعات الإرهابية، التي لا تجيد سوى العمل في الظلام..
ولدى هذا التيار رؤى اقتصادية واجتماعية مغايرة لما يتبع حاليا، وطرحها للحوار المجتمعى يجرى لصالح الوطن، ولديهم تحفظات عديدة حول السياسة الإعلامية، وقضية الحريات وهى كلها قابلة للنقاش، ولو أن الحوار الذي أجراه "عمرو أديب" مع الدكتور "غنيم" كشف عن تلك الرؤى المتباينة وعبر كل تيار عن آرائه أمام الشعب، وأمام القيادة السياسية لكان ذلك يكفى ويزيد.