العطاء والسلب مناظرة حب
في لقاء ساده الحب والإخاء والمودة بساحتنا الأحمدية المتواضعة بطنطا أثناء الاحتفال بمولد القطب الرباني والعارف الصمداني سيدي أحمد البدوي، رضي الله عنه، جمعني بحبيب القلب وتوءم الروح فضيلة الشيخ الجليل والعالم الرباني الشيخ حسن السناري، السيد الشريف الحسني شيخ البيت السناري رضوان الله عليه، عقدت مناظرة بيننا في حضور جمع من الأحباب دار بيننا حوار ومناظرة حول مسألة السلب بعد العطاء، ودار السجال بالحب بيننا في هذه المسألة..
وكان لفضيلة الشيخ "حسن" رؤية في هذه المسألة، وكانت لي رؤية، في الظاهر رؤيتان مختلفتان، وفي المعنى الباطني والجوهر متلاقيتان. فهو يتحدث من باب الخوف والحذر، وعن حال من لم يتم له التمكين، وأنا أتحدث على حال أهل التمكين.. وقبل أن أسرد ما دار في المناظرة والحوار أود أولا أن أشرح مسألة العطاء الرباني وقضية السلب بعد العطاء..
وأبدأ أولا بتعريف العطاء الإلهي.. العطاء الإلهي هو ذلك الفضل الممنوح من الله تعالى الجامع للأنوار والعلوم اللدنية والمعارف والأسرار، وتلك المشاهدات التي يقيم الله العبد فيها ويخصه بها.. والعطايا الإلهية والمنح الربانية التي يخص بها سبحانه وتعالى من يشاء من عباده المؤمنين أهل الصلاح والتقوى المقبلون عليه سبحانه وتعالى، بدفع الحب الخالص له سبحانه، والمشتغلين بطاعته عز وجل، وذكره والمتخلقين بأخلاق النبي الكريم صاحب الخلق العظيم صلى الله عليه وسلم وعلى آله والمهتدين بهديه القويم.
هذا ومعلوم أن فضل الله تعالى وعطاياه تساق بفضل الله تعالى أولا وعلى أثر صدق العبد وإخلاصه في إقباله على ربه عز وجل بأعمال العبادات والذكر والطاعة، وفي الحديث القدسي يقول عز وجل: "من تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إلى ذراعا تقربت إليه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولا".
ومعنى هذا الحديث، أن إقبال العبد على الله تعالى بأعمال العبادات والطاعات يقابل بإقبال الحق سبحانه وتعالى عليه. وإقبال الله تعالى هو عبارة عن تجليات وفيوضاته على قلب العبد بأنوار أسمائه وصفاته سبحانه وتعالى، وعلى أثر ذلك يمنح العبد علوم من الله وأنوار من الله ومعارف من الله وأسرار من الله، ويقيمه في مقام المشاهدة بعد ارتقائه من إيمان الغيب إلى إيمان الشهود، فيعلم ما لم يكن يعلمه من قبل، ويرى ما لم يكن يراه من قبل، ويعرف ما لم يكن يعرفه من قبل، ويصبح عبدا ربانيا محاطا بأنوار الله تعالى محفوظا بحفظة عز وجل، مشمولا بعنايته، صاحب عين بصيرة ونور وفهم رباني وحكمة وتصير له خصوصية عند ربه تعالى.
وهنا يشار إليه أنه من أهل الفضل والعطاء.. نعود إلى مناظرة الحب التي بدأت بها الحديث التي كانت بيني وبين أخي فضيلة الشيخ حسن السناري.. الشيخ يرى أن هذا العطاء معرض صاحبة للسلب، والسلب معناه الاسترداد أي يأخذ منه، واستدل على ذلك بكلام سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي قال فيه: "لا أئمن لمكر الله تعالى ولو إحدى قدمي في الجنة"..
ولهذا القول معنى عالٍ وعميق لا يتسع المقال له.. واستدل بقصة "عابد بني إسرائيل" الذي ذكره الله تعالى في قرآنه والذي آتاه الله آياته، وكان على خير وفي عطاء وانسلخ منها وضل، فاستلب الله تعالى منه العطاء وحرمه منه وجعله آية للاتعاظ والاعتبار..
والشيخ السناري هنا محق، وهو يرى عدم الركون والاطمئنان والنظر إلى العطاء والفضل الإلهي، فربما إن يكن العطاء استدراج من الله تعالى وإختبار. وأنا معه في هذه الرؤية وفي نفس الوقت أرى أنه إذا تم الاصطفاء والاجتباء الكامل للعبد من الله أقيم في مقام التسليم الكلي لله تعالى. بمعنى أن يسقط اختياره لاختيار الله تعالى، ويخرج من تدبيره لتدبير ربه ومولاه جل في علاه.
إذا تم هذا يدخل الله هذا العبد في دائرة أهل العناية الإلهية، أهل ولايته، فيؤمنه الله ويحفظه بحفظه سبحانه لدخوله في قوله تعالى: "أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ".. إذا عند ذلك لا سلب بعد العطاء. وللحديث بقية إن شاء الله تعالى..