رئيس التحرير
عصام كامل

دعوة لاستغلال الثقافة المصرية لتوثيق العلاقات مع أفريقيا.. بديلا في الوقت الراهن من المساعدات الاقتصادية.. هيئة الكتاب تحتفل بدءا من اليوم بعام "القارة السمراء"

الرئيس محمد مرسي
الرئيس محمد مرسي

لعل الحضور المصري الكبير في الاحتفالات بالعيد الذهبي لمنظمة الوحدة الأفريقية التي تحولت إلى "الاتحاد الأفريقي" يعيد للأذهان أهمية استغلال الإمكانات الثقافية المصرية في القارة السمراء بما يخدم المصالح المشتركة. 


وفيما ترددت كثيرا كلمة "التنمية" أثناء هذه الاحتفالات فإنه لابد من تأكيد أنه "لا تنمية بلا ثقافة"، تماما كما أن دعم الدور الثقافي لمصر في أفريقيا يمكن أن يكون بديلا وأكثر ملاءمة في سياق الظروف الراهنة من اللجوء لأسلوب المساعدات الاقتصادية.

وتشارك فرقة الفنون الشعبية التابعة لوزارة الثقافة المصرية في الاحتفالات الحالية بالعيد الذهبي لتأسيس منظمة الوحدة الأفريقية؛ حيث قدمت مجموعة من العروض الشعبية والتراثية، كما تعقد الهيئة المصرية العامة للكتاب اعتبارا من اليوم "الاثنين" مؤتمرا بعنوان "الاحتفال بعام أفريقيا" بمناسبة مرور نصف قرن على تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية، فيما من المقرر الاحتفاء بالثقافة الأفريقية طوال عام 2013.

ودعا الرئيس محمد مرسي في سياق مشاركته في الاحتفالات بالعيد الذهبي لمنظمة الوحدة الأفريقية بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا لتوسيع دائرة التعاون بين دول الجنوب والاستفادة من الخبرات الناجحة لدول صديقة في آسيا وأمريكا اللاتينية.

واللافت في سياسات ما تعرف باسم القوى الصاعدة مثل البرازيل الاهتمام الكبير بالقارة الأفريقية فيما أعلن المتحدث باسم الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف أن بلادها ستسقط أو تعيد جدولة ما يصل إلى 900 مليون دولار من ديونها المستحقة على دول في القارة السمراء.

وفيما ينظر لهذه الخطوة بوصفها محاولة لتعزيز الروابط الاقتصادية بين البرازيل التي اضحت سابع قوة اقتصادية في العالم وأفريقيا تظهر احصاءات رسمية أن التجارة بين البرازيل ودول القارة الأفريقية ازدادت خمسة اضعاف خلال العقد الأخير وتجاوزت 26 مليار دولار في عام 2012.

ولعل تعظيم الدور الثقافي لمصر في القارة السمراء يمكن أن يحل محل الدعم الاقتصادي في الظروف الراهنة بل قد يكون أكثر جدوى على المدى الطويل فيما يمكن لو صدقت النوايا وتوافرت الارادة اسناد هذا الدور الثقافي ببنية تعليمية مصرية يشارك فيها الأزهر بقوة في ربوع أفريقيا.

وكان الرئيس محمد مرسي قد نوه أمس "الأحد" بقرار فتح السفارة المصرية في مقديشيو، وقال على هامش مشاركته في القمة الأفريقية بآديس ابابا "اننا بصدد تنفيذ هذا القرار بهدف تعزيز التواجد المصري بالأضافة إلى الدعم المصري للصومال في مجالات التعليم والصحة والتنمية البشرية".

وبعيدا عن اجترار "مقولات القوة الناعمة" رغم اهميتها لعل السؤال الذي يتجدد بصورة أكثر الحاحا وواقعية:"متى تطرح أسئلة الثقافة الأفريقية بجدية في المشهد المصري، وبما يحقق التفاعل الحقيقي بين الثقافة المصرية وثقافات القارة السمراء "!.

فالنظرة الواقعية تكشف بلا عناء عن نوع من الخلل في العلاقة بين الثقافة المصرية وثقافات أفريقيا وغياب مؤسف أو تغييب للمنجز الثقافي-الابداعي الافريقي عن أرض الكنانة واغفال أو عدم معرفة بالجديد في هذا المنجز رغم أن البعد الافريقي حاضر ضمن مستويات الهوية المصرية ومكوناتها الثرية.

فثمة حاجة ملحة للتعرف على المنجز الابداعي-الثقافي الافريقي وجديده كما أن أسئلة الثقافة الأفريقية تتجاوز بكثير المهرجانات والشعارات وينبغي أن تكون حاضرة في العقل الثقافي المصري ليبحث لها عن اجابات متجددة وغير تقليدية.

وإذا كانت الثقافة الأفريقية قد فقدت مؤخرا الروائي والشاعر النيجيري الكبير تشينوا آتشيبي فإنها قد يحق التساؤل في هذا السياق عن عدد الكتب التي ترجمت للعربية سواء في مصر أو بقية العالم العربي لهذا المبدع الافريقي الذي ولد عام 1930 وتنوعت اهتماماته مابين الرواية والشعر والنقد حتى بات من إعلام الأدب الأفريقي المعاصر إلى جانب مواطنه صاحب نوبل وول سوينكا.

ولن تنسى الذاكرة المصرية الموقف الرائع والشريف للروائي النيجيري وول سوينكا الذي حصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1986 عندما سعى للتطوع وحمل السلاح مع المصريين أثناء العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956.

ويبدو أن الوقت قد حان لترجمة مقولات "القوة المصرية الناعمة" لخطط يجري تنفيذها على أرض الواقع وبحيث يكون "البعد الثقافي" حاضرا بقوة في الإستراتيجية المصرية الخاصة بالتعامل مع الدائرة الأفريقية ومن منطلق المصالح المشتركة بين الأشقاء والأصدقاء رغم أن "البيئة الصراعية" تعد سمة أساسية للعلاقات الدولية.

فضمان النمو المتواصل للعلاقات المصرية-الأفريقية يشكل محكا واختبارا للصورة الذهنية لمصر ومسؤولياتها الدولية في حقبة جديدة مع التأكيد على أنه من الأهمية بمكان للإستراتيجية الخارجية لمصر تحليل الانجازات التي تحققت والمشاكل التي مازالت قائمة فيما يتعلق بحشد وتعبئة القوة الناعمة وزيادة التأثير المصري في أفريقيا.

وإذا كانت القوة الناعمة لمصر في أفريقيا قضية يتوجب الاهتمام بها بعيدا عن اجترار الذكريات أو الاكتفاء بالشعارات فمن المتعين دراسة سبل تعظيم هذه القوة عبر تحليل ثقافي-سياسي ونظرة مقارنة لتجارب دول أخرى من خارج القارة السمراء مثل التجربة الصينية حيث يتزايد التأثير الثقافى الصينى تدريجيا في عدة دول أفريقية مع تصاعد ملحوظ في تحبيذ العديد من دول القارة السمراء للنموذج التنموى الصينى.

والنظرة الواقعية تحتم ضرورة عدم تناسي تحديات تعترض التعاون بين مصر والأشقاء والأصدقاء الأفارقة وحرص بعض الأطراف والقوى الخارجية على الحاق الأذى بالوجود المصري في القارة السمراء والحاق الضرر قدر الامكان بصورة مصر في أفريقيا.

ومن ثم فالمطلوب من دوائر ومؤسسات الثقافة والدبلوماسية في مصر سلسلة من التوصيات والاقتراحات العملية في سياق صياغة إستراتيجية شاملة ومتماسكة لتعظيم الاستفادة من القوة الناعمة المصرية في أفريقيا ومنح مزيد من الاهتمام للدبلوماسية الثقافية ونشر الثقافة المصرية في ربوع القارة السمراء وزيادة جاذبية النموذج المصري في عيون الأفارقة واقناعهم بأن توسيع نطاق التعاون المشترك يخدم الجانبين معا.

وهنا فمن المفيد زيادة عدد الطلاب والدارسين الأفارقة في مصر ومنح اهتمام أكبر للدراسات الأفريقية في الجامعات المصرية وإقامة معارض ثقافية مصرية في الدول الأفريقية.

وإذا كان من الصحيح أن الأفعال اهم من الأقوال وان الحقائق تتحدث عن نفسها بنفسها فإنها من الصحيح أيضًا في عصر الإعلام المعولم أن الحقائق وحدها لاتصلح وانما لابد من الترويج لها ونشرها لأن ذلك هو السبيل الذي يتفق مع معطيات ومتطلبات الواقع المعقد للسياسة الدولية ومجال الدبلوماسية والرد على حملات التشهير والمكايدات في عالم اليوم.

وفى سياق رؤية ترنو نحو تعظيم القوة الناعمة المصرية في أفريقيا يتوجب الاهتمام بمسألة التواصل مع جماعات المجتمع المدنى والمنظمات الأهلية في الدول الأفريقية والشخصيات المؤثرة على الرأى العام في هذه الدول فيما لايجوز الامتناع عن التنسيق مع أطراف خارجية مثل البرازيل والصين والهند في أي مجالات أو انشطة بالقارة السمراء مادام هذا التنسيق يحقق المصلحة المشتركة لكل الأطراف.

وهناك توقعات لمراكز تفكير ودراسات وأبحاث بأنه بحلول عام 2050 سيكون عدد سكان أفريقيا ضعف عدد سكان الصين فيما يتحدث البعض في الغرب عن القارة السمراء المثيرة والصاخبة والنابضة بالحياة وأن "المستقبل هو أفريقيا".

وكانت مصر قد وجهت رسائل ايجابية ودالة للقارة السمراء في الأونة الأخيرة سواء في الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء هشام قنديل لجوبا حيث افتتح عدة مشاريع تنموية وصحية وتعليمية في جنوب السودان أو زيارة وزير الخارجية محمد كامل عمرو للصومال والتي تعد الأولي منذ أكثر من عقدين واعيد في سياقها فتح السفارة المصرية في مقديشيو.

وأكد الرئيس محمد مرسي في زيارته الأخيرة لأديس ابابا على حرص مصر "على توحيد الصف بين دول حوض النيل وتحقيق مبدأ المنفعة للجميع ودعم جهود ومشروعات التنمية دون الاضرار بأي من دول الحوض".

وعلى هامش مشاركة الرئيس المصري في القمة الافريفية الاستثنائية بأديس ابابا أكدت مصر وإثيوبيا على ضرورة مواصلة التنسيق بين البلدين في ملف المياه بما يحقق المصالح المشتركة واستنادا لالتزام كل طرف بمبدأ عدم الاضرار بمصالح الطرف الآخر وإذا كان من الصحيح أن علاقة مصر ببقية دول القارة السمراء ومن بينها دول حوض النيل لايجوز اختزالها في مسألة مياه النيل والحيلولة دون أي ممارسات ضارة بالحقوق المائية المصرية وأن هذه العلاقة الأبدية لابد وأن تكون شاملة وتعاونية وتكاملية وتحقق مصالح كل الأطراف بعدالة للجميع فان للثقافة المصرية دورها المأمول والكبير في سياق هذه النظرة الشاملة والبعيدة عن ثقافة الصراع.
الجريدة الرسمية
عاجل