مكاسب مظاهرات لبنان.. القصة شبه الكاملة!
بأقصى تبسيط ممكن فإن أي كيان في الدنيا يعاني من تناقضات داخلية فحتما سيحدث الانفجار! ولبنان بلد صغير يسكنه شعب طيب ومتحضر، لكنه ومنذ استقلاله عام 46 بل وقبله يحمل تناقضات عديدة تزايدت يوما بعد آخر.. أولها تناقض الانتماء من كثيرين من أهله، كانوا يريدون لبنان جزءا من مشروع دولة عربية واحدة على أرض دول الشام كله، وهنا يبرز الاختلاف من رغبة قطاع من هذا الشعب يرفض ذلك ويفضل الانتداب الفرنسي!
تمر الأيام حتى الاستقلال وتجد الطوائف المسيحية مع الطوائف المسلمة وغيرهم أمام واقع جديد يضمهم جميعا، وعليهم التعايش معه.. أكثر من 18 طائفة عليها الحياة معا من مسيحيين موارنة، وأرثوذكس، وكاثوليك، وأرمن أرثوذوكس، وروم كاثوليك، وأشوريين، وبروتستانت، وغيرهم، ومسلمين موزعين بين سنة، وشيعة، إلى دروز، مع كلدانيين، وعلمانيين، وفرق أخرى !
جري العرف أن يكون الرئيس مسيحيا، ورئيس الوزراء مسلما سنيا، ورئيس البرلمان مسلما شيعيا، ويطلق على الثلاثة لقب "الرئيس فلان"، بينما يكون قائد الجيش مسيحيا ووزير الدفاع مسلما!
فجأة ولأحداث معينة انفجرت الأوضاع عام 1975 واشتعلت الحرب الأهلية اللبنانية، واستمرت 15 عاما ملخصها وجود فلسطيني مسلح يرفضه البعض ويقبله البعض الآخر، وتدخلات إقليمية ودولية وعدو على الحدود، يدخل بجيشه أو من خلال مرتزقة على الحدود، وظلم يفترضه المسلمون، ويطالبون بتعداد سكاني جديد، وهو ما يرفضه المسيحيون، الذين كانت المحاصصة تمنحهم 55 % من مقاعد ونسبة كل شيء، و45 للمسلمين سنة وشيعة!
لكن كانت الكثافة السكانية المتزايدة عند المسلمين وخصوصا الشيعة في الجنوب مع تزايد الهجرة من لبنان، وأكثرية المهاجرين من المسيحيين إلى تغير نسبة السكان، مما خلق تناقضا جديدا، كانت كل التناقضات تنتظر الشرارة الأولى.. واشتعلت.. وبقيت 15 عاما أدت إلى 120 ألف قتيل على الأقل، وتوقفت بعد اجتماع عقد في الطائف بالسعودية، وأنهى الصراع لكنه أسس أيضا للطائفية بحصص جديدة للمناصب والمسئوليات!
لبنان الجميل الذي قدم فيروز وصباح ونجاح سلام (صاحبة الأغنية الخالدة يا أغلى اسم في الوجود) في الغناء، وحكمت وهبي، في التمثيل والإعلام، وإيليا أبي ماضي، وبشارة الخوري، وجبران خليل جبران، وسعيد عقل، وطلال حيدر، وأنس الحاج، وإلياس طعمة، ومنصور الرحباني في الأدب والشعر، وغيرهم من مطربي العصر الحديث ممن غنوا لمصر وتغنوا بها، أو حبوها وجاءوا إليها وليد توفيق، وراغب علامة، ونانسي عجرم، وإليسا، ومن سبقوهم وديع الصافي، ونور الهدي، ومحمد سلمان صاحب نشيد "لبيك علم العروبة"، إلى نوال الزغبي، وميشيلان خليفة، وغيرهم..
فضلا عمن شاركوا بعد مجيئهم لمصر في النهضة المسرحية المصرية، نقول إن ذلك يستحق كتابا مستقلا وليس مقالا، كما يستحق أن نحافظ على أهله ممن يشعرون أن وطنهم يستحق أن يعيش أفضل من ذلك.. مع معاناة صعبة سببها منع الدعم العربي وهو الفراغ الذي لم تستطع إيران ملؤه فدفع لبنان الثمن!
الآن.. أهل لبنان وشبابه في المقدمة يتظاهرون، وللمرة الثانية على أرضية وطنية بعد مظاهرات "النفايات" قبل عامين.. صحيح رفع أسعار الاتصالات السبب لكنه أيضا كانت الشرارة التي فجرت أشياء كثيرة، لكنهم انتقلوا خطوة للأمام من الصراع أو الانتماء الطائفي إلى التظاهر لقضايا لبنان وحده، يقف فيها السني مع المسيحي مع الشيعي مع الدرزي من أجل وطنهم.. وهذا أجمل وأروع ما في الموضوع.. فلتتوارى الطائفية إلى الخلف.. ولنحافظ على لبنان ممن يريدون من خلاله أهدافا إقليمية أخرى !
كنت محظوظا عندما كان لبنان مع دول أخرى من بين مقررات دراسة مادة "نظم سياسية"، إحدى أجمل مواد العلوم السياسية، حيث اقتربنا جدا من شعوب شقيقة، ندرك أن شعب لبنان أجملها وأكثرها تحملا للمسئولية!