تمثال طيب في مهمة إلهية
هذا الصباح، كنت أنحت تمثالًا طيبًا من الطين، ثم غفوت للحظة، وحين عدت لعالمي رأيت بعض الزوائد الطينية الطرية قد انسلخت من بين أصابعي، ووقعت على الأرض، فاستحالت تماثيل أخرى صغيرة هشة بلا رءوس، سرعان ما راحت تزحف على بطونها حتى وصلت إلى ما بين أصابع قدمي تمثالي الكبير، ودون تفكير منها سحبت من تلك الأصابع ما يشبه الأثداء، وراحت ترضع منها، حتى نبتت لها رءوس بلا أعين..
بعد لحظات رأيت التماثيل الصغيرة تنمو، لكن أكبرها لم يكن يتجاوز كاحل تمثالي الطيب، قبل أن تتجمع في صفوف منتظمة، وتطوف حول قدمه اليسرى، ومن وقت لآخر كان تمثالًا – وأحيانًا أكثر من واحد - يقترب من أصبعه الكبير ويلعقه ويصبغه بوافر لعابه..
في هذه الأثناء لمحت عيني تمثالي الطيب وهي ترف، ثم سالت منها دمعة بلون الدم، وراحت تشق خده كأنها سكين تخترق لحم ذبيحة ساخنة مازالت ترتجف..
لم يكن للتماثيل الصغيرة أن ترى الدمعة، غير أنها أحست بارتجافة جسد التمثال الكبير، وحينها بدأت إلي تصعد ساقه السامقة إلى أن وصلت إلى كتفه، ثم تسلق أحدهم عنق التمثال الكبير، وأمسك في شحمة أذنه – إذ إن له الآن أذنا حقيقية – وهتف «هل ترتجف الآلهة؟!».
لف تمثالي الطيب عنقه، ملتفتًا إلى التمثال الذي يتحدث، فانسحق نصف التمثال الصغير بين ثنايا عنق التمثال الكبير، وتناثر غبارًا سعلت بسببه باقي التماثيل..
كان التمثال الطيب مذعورًا، وفكر للحظة أن يفر هاربًا، غير أنه حين لاحظ انسحاق التماثيل الصغيرة وخوفها من ردة فعله العفوية، شعر بقوة خفية تسري في شرايينه التي نبتت قبل قليل، ثم رفع رأسه لأعلى، وطاف في المكان يزرعه مشيًا، وهو يسحق بقدميه فلول التماثيل التي غبّرت المكان..
أنهى تمثالي مهمته المفاجئة، ثم جلس إلى طاولة خشبية (أقدم منه عمرًا) ينظر إلى اللا شيء وهو يفكر فيما تفعله الآلهة بعد أن تتخلص ممن صنعوها.