تركيا والعرب.. سلسال الدم يعود.. الرئيس التركي يستعيد سيناريو «سليم الأول» في اللعب بالدين.. محمد علي بداية التمرد على الإمبراطورية العثمانية.. وثورة آل سعود والشريف حسين تنهي السيطرة العثما
يمكن القول إن ما يحدث الآن في شمال سوريا، هو انعكاس حقيقي للعلاقات العثمانية العربية، على مدار تاريخها الطويل، التي كانت تسير دائمًا على نفس المنوال، من تحالف أدى لازدهار الحضارة الإسلامية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، إلى صراع صفري، كان من أهم معالم إسقاطها.
العودة للتاريخ، تجعلنا نقف عند حدود التحام الإمبراطورية العثمانية بالجغرافيا العربية عام 1517، وقتها استغلت حالة من الاضطراب السياسي الكبير بين العرب، وتمزقهم بين إمارات كبيرة وصغيرة، وانحيازهم لقوى عظمى في الإقليم، الإمبراطورية العثمانية النامية، ودولة إيران الصفوية، والمماليك المتمركزين في مصر.
سليم الأول
وضع السلطان سليم الأول، أهداف استراتيجية للحصول على التأييد العربي، وهي نفس الأهداف التي يروجها أردوغان حاليا عبر أذرعه الإعلامية، من إخوان وتيارات دينية، فكان «سليم» يتحدث عن رغبته في جمع عالم سني مشتت، وإنشاء وحدة سياسية، لإبقاء الدولة الشيعية الصفوية المتطورة على حافة العالم الإسلامي.
وتحويل الإمبراطورية العثمانية في نهاية المطاف إلى إمبراطورية حقيقية، واستطاع سليم الأول تحقيق أهدافه، وأصبحت الإمبراطورية العثمانية هي القوة الرئيسية التي تحافظ على الوحدة السياسية للعالم الإسلامي، وسيطرت على الخلافة، وظلت تحت إمرتها حتى عام 1923، قبل أن تهتز هذه القوة بتطورات القرن التاسع عشر ونتائج الحرب العالمية الأولى.
ثورات
حتى القرن التاسع عشر، استمرت العلاقات التركية- العربية تتمحور حول متطلبات كل مرحلة، ولا نستطيع القول إن النزاعات والثورات والحوادث المتفرقة في البلدان العربية، والتي كانت تندلع بين وقت وآخر في أكثر من قطر عربي، تختلف كثيرا عن باقي الاضطرابات السياسية التي شهدتها كافة أنحاء الإمبراطورية، بسبب الاستعلاء التركي، ورغبتهم في إذلال كل الشعوب القابعة تحت سلطتهم.
تمرد
إلا أن المشكلات الثلاث التي نشأت في العالم العربي نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، كانت سببا مباشرا في إضعاف سلطة الإمبراطورية العثمانية، بداية من تمرد شبه الجزيرة العربية، والغزو الفرنسي لمصر في عام 1798، وصعود محمد علي باشا، والي مصر، كقوة داخلية جديدة، تناطح مركز الخلاف وتتغلب عليها.
كما تمرد الإدريسي، على رأس حركة دينية في منطقة اليمن وعسير، وبعد ذلك، عانوا من تمرد كيريك وهافران، داخل حدود الأردن اليوم، احتجاجًا على سياسة تجنيد السلطة المركزية، فحاول العثمانيون قمع التمرد بإجراءات عسكرية فاشية، ورغم قسوتهم على الشعب الثائر ضدهم، إلا أنهم لم يستطيعوا مواجهة الغزو الإيطالي لليبيا، في نفس الوقت، وسلموا البلاد إلى الاحتلال الإيطالي.
في نفس الوقت تمكن الملك عبد العزيز آل سعود، والشريف الحسين، من الانفراد بسلطات محلية، الأول في إمارة مكة من قبل الوحدويين، وبدأ في تأسيس دولة وسط الجزيرة العربية، والثاني نجح في إنهاء السلطة المركزية للعثمانيين في منطقة الحجاز، مع استمرار التمرد العربي ضد العثمانيين، انفتحت المنطقة أمام المنافسة الدولية، التي أسست لها اتفاقية برلين عام 1878 وأصبحت أكبر قوتين في المنطقة، ولديهم إمكانات حداثية تتوافق مع الحضارة الغربية «تونس» في قبضة فرنسا، وبعدها مصر التي احتلت من قبل البريطانيين.
المظالم العثمانية
يحكي زكريا كورشون، الأستاذ في جامعة مرمرة، ويؤكد أن المظالم العثمانية وغطرسة الولاة في التعامل مع التمرد، أسفرت عن ولادة أجيال جديدة من المثقفين العرب في مصر وسوريا وتونس، طالبوا بإقامة مؤسسات فيدرالية بدلًا من دولة مركزية، وأخذ بعضهم يغالي ويظهر أفكارا انفصالية، واجهتها السلطة العثمانية بقمع شديد، لكن هذه الأفكار تفشت سريعا، وأصبحت أكثر قوة.
وأضاف: تعاظمت الحركات الاحتجاجية ضد الأتراك، وزادت حدة صوت الفيدراليين العرب، الذين تجمعوا في باريس للضغط على إسطنبول، واستطاعوا لأول مرة فرض استخدام اللغة العربية في المراسلات الرسمية، وكان أول انتصار، وأول ضربة في إجلاء العثمانيين عن المنطقة.
بمرور الوقت تحول التمرد العربي ضد الأتراك، إلى ثورة عربية شاملة، بعدما بات واضحا أنهم لا يستهدفون من المنطقة إلا السيطرة على موارد النفط المكتشفة حديثا ــ ما قبل الحرب العالمية الأولى ــ ومع قوة البلدان التي خرجت فعليا عن السيطرة العثمانية، أصبحت الصراعات عبارة عن منافسات ثنائية، لإثبات الحضور والقوة والنفوذ في العالم الإسلامي، وخاصة مع مصر والسعودية.
تفككت الإمبراطورية العثمانية، وظلت علاقات الريبة تحكم العرب والأتراك، وتناسى الطرفان ما حدث لبعض الزمن، وفي ظل سيطرة العلمانيين، ولكن مع تولى أردوغان الحكم، وبقائه في السلطة طويلا، ظهرت مخالبه في لحظة ضعف للمنطقة، وبسبب خلفيته التوسعية، حاول بناء أمجاد أجداده العثمانيين بنفس الطريقة التي سلكوها من قبل، ولكن يبدو أنه نسى أن عجلة التاريخ لا يمكن أن تدور للخلف!