رزق النصر حضارة وتقدم

كل شيء يتغير. ومن باب حكمة التغيير أن يكون للأفضلية، حيث تتغير الهزيمة إلى نصر، والانتكاسة إلى انتعاشة، والفكرة إلى عمل. جوهر هذه الأفضلية هو رزق النصر، فالنصر هو منحة إلهية يهبها الله لك في العقل الذي يعمل أو بمعنى أصح الذي يصر على العمل.

من بديهات سنن الحياة والواقع مهما كانت قبضة استبداد التابوهات المحرمة عليه أن يكون النصر كاملا، وغير ذلك فهو هزيمة منكرة وخسيسة، وإن جملته بلاغة اللغة من نوعية (النكبة- النكسبة- مفاوضات- الفوضى- اتفاقيات سلام). ومن ثم هزائم الوطن لا تصلح معها الترقيعات الثورية والمحسنات اللفظية.

إن النصر لا يجعلنا أبدا نفصل بين الفكرة والعمل، نعمل ببطولة من أجل ما نؤمن به. النصر يعلم الشعوب معاني الكفاح والتضحية ويجعلهم يؤمنون بقدرة تغيير الواقع والتطلع للمستقبل بمنتهى الإيمان بحتمية النصر والتقدم. وعلى الرغم من ذلك أمسى النصر من العبارات المستهلكة المشعوذة التي تثقل أذهان الناس بالأوهام والتدليس.

ومن المعلوم إن الديكتاتورية السياسية والدينية من أعتى أعداء النصر، فتحول نصرنا العربي عبارات سلبية على طبول الفوضى، ومن ثم نجد من يعتلي منابر القرار كل خامل يمجد من نفسه. ومن هنا بات النصر محصورا على من يمتلك زيف القول لتلميع كل سطحي أجوف وتبرير كل قمع للقدر باسم إرادة الوطن والله!

في مراحل ضلال بوصلة الهزيمة المغلفة بالنصر كان يحلو للسلطة الديكتاتورية المتعاونة مع نخبة مدلسة تفقير وقهر الناس بنشر الفردية وتغذية المصالح الذاتية والأنانية، والسخرية من كل الأهداف النبيلة كي يستسلم الواقع للفساد بهدف تحكم الأغلبية الجهولة في مصائر التغيير، ولذلك فقدنا بركة رزقنا بالنصر والثورة!

لا شك أن الديكتاتورية الدينية لعبت دورا جوهريا في إزكاء فلسفة التغيير السلبي نحو الرضا بالفقر والبلاء المكتوب في السجن والتعذيب والخرس اليومي. ونفخ بالونة أن الناس لا حول لهم ولا قوة أمام القدر وحرمة الوطن.

هذه النفوس المدلسة مسحت بركة رزق النصر وصرفت الناس عن الواقع، حيث بثت فقدان الثقة في أي تغيير، وعدم التصديق في قدرة الشعب على البحث عن بدائل لنصر حقيقي. وانطلاقا من ذلك يجب أن تقدم للشعب معاني طازجة للنصر على الأرض والواقع. أن تبث الثقة في قدرته وحثه على تغيير الواقع وصناعة تقدمه وحضارته.
فلا تستهينوا بمكر (ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ)..