رئيس التحرير
عصام كامل

وانا على الربابة بغني!


ستة وأربعون عاما مضت على ملحمة النصر العظيم تستطيع أن ترى وبوضوح ماذا جرى في المجتمع من تغيرات من خلال مؤشرات عديدة، الأغنية دفتر أحوال لا يخطئ أبدا، يختزل الحكايات والبطولات، ويقدمها لتصبح جزءا من التاريخ الذي لا يكذب، تابع ماذا قدم مطربو مصر وشعراؤها وملحنوها لتعرف حجم الانحدار الذي نعايشه وحجم التزوير في الوجدان المصري.


ستة وأربعون عاما تظهر في بدايتها ملامح الشخصية المصرية من "بليغ حمدي" الذي يقتحم دار الإذاعة دون أن يسمحوا له بالدخول، لأنه لا يحمل تصريحا في وقت الحرب.. فيهدد بتحرير بلاغ في قسم الشرطة إن لم يسمحوا له.   

روايات الواقعة تذكر أن الموسيقار الراحل لم ينتظر مصعد ماسبيرو، وصعد على قدميه إلى الدور السابع، حيث كون خلية نحل مع "عبد الرحيم منصور" فى احد الاستوديوهات ولم يخرج منه الا بعد الانتهاء من أغنية "بسم الله".. وتفتق ذهن "بليغ" عن جمع مجموعة من العمال والموظفين بالمبنى، وتدريبهم على أداء الأغنية، التي خرجت إلى الجماهير المصرية بأصوات هذه المجموعة، لتكون أول أغنية تنطلق عبر الإذاعة المصرية احتفالا بالنصر.


بعدها عاد "عبد الرحيم منصور" و"بليغ" ولكن مع "وردة" لينشدوا الرائعة "على الربابة بغني"، ثم تتوالى الألحان الخالدة التي ظلت طوال تاريخنا منذ حرب أكتوبر هي المعين الذي يرتبط ذهنيا بنصر أكتوبر المجيد، حتى ظهر العندليب برائعته "النجمة مالت ع القمر".. لتغني مصر والأمة العربية ألحان النصر وتبدو صور الأبطال في الخلفيات محفورة في أذهان الأجيال المتعاقبة حتى يومنا هذا.


في أكتوبر حققنا النصر لأن شعبا آمن بجيشه، وجيشا تحمل مسئولياته الجسام؛ لننطلق من الهوة السحيقة في ٥ يونيو إلى آفاق أكتوبر، وفق تخطيط علمي نادر، وتوفير كل ما يمكننا من تحقيق الهدف، اعتمادا على العلم والإرادة والإيمان.. تحولنا من هواة إلى محترفين، وانتقلنا من خانة الثقة إلى مساحة الخبرة والثقة، وقاد جيشنا ضباط عظام.

سترى الموسيقار المبدع والشاعر المتدفق والمطرب الأصيل.. كانت الأغنية صدى لواقع بنيناه بصمودنا وبإرادتنا الفولاذية وبإيماننا بأن النصر قادم، ولا طريق آخر إلا طريق النصر.. 

في أغاني أكتوبر فاض دفتر الشعراء وطافت بنا موسيقى الوطن في آفاق الشمس المضيئة، وغنت الحناجر في الميادين والقرى والنجوع، كما لم تغنِّ من قبل.. 

أغاني أكتوبر واحدة من العناق التاريخي بين أطياف المجتمع، حيث انصهر البشر جنودا وفلاحين وعمالا وصنايعية في بوتقة الوطن القادر على الإسهام الحضاري في حرب صنعت مجدا وسلاما وحررت أرضا وأرجعت العزة والكرامة لكل الأمة.
الجريدة الرسمية