رئيس التحرير
عصام كامل

الجامعات المصرية.. "الأطرش في الزفة"!


التعليم الجامعي هو لؤلؤة التعليم في جميع الدول المتقدمة، والدول التي تطمح للتقدم أو التي تحرص على استمرار تقدمها. لذا تقوم هذه الدول بالاستثمار الضخم في التعليم الجامعي سواءًا الممول من القطاع الخاص أو الحكومي أو المنظمات غير الهادفة للربح، من خلال خطة حكومية واضحة تدرس سوق العمل ومتطلباته وخطة الدولة وبرامجها وأوجه تنمية الاقتصاد فيها وربطها بالتعليم الجامعي.


ومعين الجامعات هو الاختيار الأمثل المتوافق بين رغبة الطالب ونوعية الدراسة وحاجة المجتمع. وقوة الجامعات تكمن في قدرتها على البحث العلمي المثمر الذي يدفع عجلة الاقتصاد. وأخطر آفات التعليم الجامعي هو المظهرية في التعليم دون الجوهر أو الهدف.

والسؤال أين نحن من كل ذلك؟

للأسف أدق وصف لحال التعليم العالي الحالي في مصر هو عبارة "الأطرش في الزفة"، فلا هو سمع ولا الزفة استفادت منه، أو أسعدته!!

بدأ التطور العشوائي في التعليم الجامعي بعد ثورة يوليو، والتي جعلته مجانيًا كالماء والهواء لكل من هب ودب من خلال مكتب خلق للتنسيق لا ينظر إلا للمجموع والمجموع فقط دون أي اعتبارات أخرى! واستمر الحال في التدهور للأسوأ في العهود التالية التي تبنت نفس السياسة فتعددت الجامعات الحكومية، وقبلت أكثر من طاقتها فتكدست سوق العمل بخريجين يحملون شهادات ولا يعملون بها دون خطة واضحة لحاجة الدولة أو خطط التنمية، فكانت أكبر إهدار مستمر للمال العام.

وبعد انهيار التعليم الجامعي الحكومي بالكامل وترهله بدأت الجامعات الخاصة والباهظة التكاليف تجذب القادرين وبرعاية الدولة وتشجيعها. وليتها كانت جامعات تهدف إلى البحث العلمي أو تدرس حاجة المجتمع وأولوياته ولكنها جامعات أنشأت فقط بغرض الربح كالمدارس الخاصة وتدار مثلها عن طريق رجال أعمال ليس لهم غاية سوى التربح من مصاريف الطلاب!

فلا توجد في جميع أنحاء العالم جامعات يملكها أفراد كما الحال في مصر، ولكن تملكها شركات معظمها غير هادفة للربح. ثم جاء العصر الحالي الذي تصورنا فيه أن فتح فروع للجامعات الأجنبية هو الحل الذهبي لمشكلة التعليم العالي! ولأن هدفنا كان فتح أكبر عدد من الجامعات في أقصر وقت ممكن أصبحنا كالعسل الذي يجذب الذباب إليه، فجاءتنا جامعات من الدرجة الثالثة والرابعة والخامسة تحت جميع مسميات الدول!

وكلها إما جامعات تهدف هي أيضًا للربح السهل أو جامعات تعاقد عليها كالعادة رجال أعمال بهدف الربح!

فلا جاءتنا جامعة واحدة من العشرين الدولية Global Universities ومن المعروف أن ١٨ منهم في الولايات المتحدة الأمريكية! ولم تأت لنا جامعة واحدة من الخمسين الأولى على مستوى العالم كما كنا نطمح ومنهم ٣٨ في أمريكا! ولا حتى جامعة من المائة الأولى على مستوى العالم!! تخبط مزعج وبحث دائم ودؤوب عن المظهر لا الجوهر.

فأى تعليم عالي نطمح ونحن بلا خطة أو دراسة أو دراية أو حتى ربط بين الجامعات وخريجيها وحاجة المجتمع وخطط البحث والتنمية. فمازال مكتب التنسيق يمارس مهامه بإمتياز ومازالت المدارس الثانوية تدفع مئات الآلاف للتعليم الجامعي بلا رابط أو مانع ومازالت الجامعات الحكومية تئن بعد تكدسها بأعضاء هيئات التدريس الذين تدنت مرتباتهم فانتدبتهم الجامعات الخاصة..

ومازالت المدرجات مزدحمة فوق سعتها ومازال الآلاف من خريجي الصيدلة بلا عمل ومازال خريجي التجارة والحقوق يقبلون أي عمل إلا ما درسوه، ومازال خريجي الطب في سعيهم للخارج، والجامعات الخاصة مازالت مفتوحة على البحري وسط سيرك تعليمي بلا رابط أو ضابط!!

أقولها صراحة أفيقوا قبل فوات الأوان، فالتعليم العالي يحتاج مثل التعليم الأولى إلى نظرة شاملة وجريئة، وتحول كبير يقوده خبراء محليين أو عالميين يعرفون بالضبط ما يعملون ضمن خطة واضحة المعالم.. وحتى ذلك الحين سنظل نسأل إلى أين المصير؟

الجريدة الرسمية