والأمن الاجتماعي مهم!
بمناسبة ذكرى رحيل "جمال عبدالناصر" تذكرت ما سجله أشهر وأهم وزير ثقافة مصرى، وهو "ثروت عكاشة" في كتابه: (مذكراتى في السياسة والثقافة)، عن رد فعل "ناصر" على أول حركة احتجاجية حدثت خلال حكمه، وهى مظاهرات الطلبة والعمال في فبراير عام ١٩٦٨، والتي نشبت في البدء اعتراضا على الأحكام الصادرة ضد قيادات الطيران إبان هزيمة يونيو ٦٧..
لكن الاعتراض اتسع ليشمل الضغوط الاقتصادية، والأحوال السياسية، وتحولت إلى دعوة للتغيير السياسي.. فقد سجل "ثروت عكاشة" في الجزء الثانى من كتابه الضخم تفهم "ناصر" لهذه الاحتجاجات، ولمطالب الطلاب والعمال الذين شاركوا في هذه التظاهرات، التي كانت الأولى التي تشهدها مصر منذ مظاهرات أزمة مارس ٥٤، غير أنه سجل أيضا إحساس "ناصر" بالالم لأحد الهتافات التي رددها المتظاهرون والتي كانت تنطق بالشكوى من صعوبة الأحوال المعيشية..
ويعلل ذلك "ثروت عكاشة" بأن "ناصر": (شعر بأن الجماهير تعانى ضائقة العيش حقا).. وهذا يمكن تفهمه في إطار انحياز "ناصر" الذي كان يعلنه بوضوح للفقراء والبسطاء وعموم المصريين.. غير أنه يمكن إضافة سبب آخر لألم "ناصر".. فقد حدث ذلك في وقت كانت البلاد تخوض حربا ضد العدو الذي احتل أرضها، هي حرب الاستنزاف، وتتأهب وتستعد لخوض حرب العبور لتحرير سيناء..
وكان هذا يعنى أن الأمن الاجتماعى ليس على مايرام، وبالتالى الأمن القومى كله في خطر، بينما كانت ظروف الحرب التي نخوضها تحتاج حماية كاملة للأمن القومى من كل خطر.
فالأمن القومى بمعناه الشامل يقتضى مع وجود قوات مسلحة قوية وقادرة ويقظة، ووجود شرطة نشطة ومحترفة، توفيرا للأمن الاقتصادى، وايضًا الأمن الاجتماعى.. فالدولة التي يصاب اقتصادها بالضعف يتهدد أمنها القومى بالخطر، ولذلك قيل أن من لا يملك طعامه لا يملك إرادته، فالاقتصاد الضعيف للدولة يغرى بالتدخل في شئونها الداخلية، ويشجع الآخرين على فرض الوصاية عليها واستلاب حقوقها بل وتعريض أراضيها للخطر..
ولعلنا نتذكر كيف طالبت المستشارة الألمانية اليونان ببيع بعض جزرها لتتمكن من سداد ديونها التي تراكمت عليها، وعجزت عن سدادها!
وذات الشىء ينطبق على فقدان الأمن الاجتماعى، خاصة عندما يشعر عموم المواطنين بصعوبة أحوالهم المعيشية، فإن التماسك الوطنى للدولة يصير مهددا، مما بمنح من يريد التآمر عليها الفرصة لاستثمار ذلك للمضى في تآمره وتحقيق مخططاته التي تستهدف تقويض كيان هذه الدولة.
وهكذا الأمن الاجتماعى ضرورى ومهم لتحقيق الأمن القومى لأى بلد، في كل الأوقات والأحوال، خاصة في حالنا، حيث نخوض حربا ضد إرهاب وحشى، ونواجه مؤامرات الإخوان ومن يدعمونهم خاصة في تركيا صاحبة الأطماع في ثرواتنا، لاستعادة الحكم الذي طردوا منه شعبيا..
ولذلك الأمن الاجتماعى لا يقل أهمية عن الأمن المباشر الذي تتولاه أجهزة الأمن، وهو يتحقق بتوفير الطمأنينة لدى عموم المواطنين على يومهم وغدهم.. أي بالسعى لتخفيف الضغوط الاقتصادية عليهم، وخلق القناعة لديهم بأنهم يحصلون على نصيبهم العادل من عوائد التنمية من خلال إجراءات عملية، وزرع الأمل في نفوسهم أن أحوالهم المعيشية هم وأولادهم سوف تتحسن في المستقبل، وأن تضحياتهم وتحملهم أعباء الإصلاح الاقتصادى وصبرهم عليها لن يذهب سدى، وإنما سوف يجنون ثماره قريبا.