رئيس التحرير
عصام كامل

حتى آخر العمر


سألتنى ابنتى ذات التسعة أعوام سؤالا مفاجئا لم أكن أتوقعه: "بابا هو ممكن في يوم لو أنا كبرت وحبيت أشتغل، تزهق منى علشان عايزة كده ومش عايزة أتجوز؟".


سالتها: "جبتى الكلام الغريب ده منين؟"

ردت: "شفت برنامج في التليفزيون عن حكاية بنت اتخرجت من الجامعة، وبتشتغل شغل كويس وسنها ٢٥ سنة، وباباها عايز يجوزها لأى حد لأنه بيقول إنها كده اتاخرت في الجواز، وإنها لازم تتجوز أي حاجة وأى حد ومش مهم هو كويس ولا لا، المهم إنها تتجوز وخلاص، لأنه زهق من قعدتها جنبه".

أنظر إليها شاردا ــ وأنا أدعو الله سرا أن يمد الأجل كى أرى يوم زفافها ــ وقطعت على الشرود، قائلة: "بابا سرحت في إيه؟".

انتبهت إليها: "أكملى يا حبيبتى"

واصلت: "بابا هو حضرتك بجد ممكن تزهق وتخلينى أتجوز أي حد علشان الناس ماتقولش دى فاتها القطر؟".

لطمتنى الكلمة الأخيرة: "جبتى منين فاتها القطر دى؟".

ردت على: "البنت في البرنامج باباها كان دايما يضربها ويشتمها، ويقول لها إنتى عانس إنتى فاتك القطر، إنتى تروحى تموتى أحسن، هو بيعمل ليه كده يابابا معاها، هي ٢٥ سنة كبيرة يابابا؟.

احتضنت صغيرتى برفق وأنا أحاول بث الطمأنينة في نفسها القلقة، مخبرا إياها أن الزواج مسألة قسمة ونصيب.

لا تخافى يا طفلتى فلن أطردك من جنة أبيك يوما، ولن أمل منك أبدا، ولن ألقى بك إلى مستنقع زواج غير متكافئ مهما تأخر نصيبك وأنتظرتى.

لا تأبهى بيوم يعيرك به ذوو العقول الضيقة بشيء لا ذنب لك فيه، وقدمى لى وعدًا بأنه إذا جاءك من يناسبك وارتاح له عقلك واطمأن إليه قلبك، أن تفكرى في الأمر مليا، ولن ألومك مطلقا ــ إذا قدر الله لى العمر وقتها ــــ إذا قلت: "مش مرتاحة له"، فهذا قرارك واختيارك.

استغرب آباء وأمهات وأهل يعيرون بناتهم بشيء لا دخل لهن به وربما لم يأن أوانه بعد، واستحقر دفع بعض الأهالي بناتهم في مغامرة زواج غير محسوبة مع أشخاص أثبتت التجارب عدم تحملهم المسئولية، وسيكونون فيما بعد وبالا عليهن ومكمن خوف واضطراب وحياة مفككة.

يا قلب أبيك، الحياة بها أشياء جميلة تساوى الزواج والإنجاب، بها العمل والدراسة وتحقيق الطموح، وملء حياة من حولك محبة ورفقا وخيرا، لا تخافى يا صغيرتى فحياتى لك وتتسعك حتى آخر العمر.
الجريدة الرسمية