سعد الدين وهبة يكتب: أصعب يوم في حياتي
في مجلة الفنون عام 1983 كتب الكاتب المسرحى والسينمائى سعد الدين وهبة مقالا قال فيه:
يوم 21 سبتمبر 1961 كان من أشق الأيام التي مرت بى طوال عمرى الصحفى، فهو يوم انفصال الوحدة بين مصر وسوريا، ورغم مرور أكثر من ثلاثين عاما على هذا اليوم فإنى أذكره وكأنه وقع بالأمس.
ذهبت كعادتي إلى جريدة الجمهورية في التاسعة صباحا وكنت أول من يصل إلى الجريدة من المسئولين والمحررين، وقبل أن أدخل مبنى الجمهورية كانت هناك قهوة صغيرة تقع خلف سينما كوزمو بشارع جلال، لاحظت أن عدد من رواد المقهى يلتفون حول جهاز راديو ولم أبالى.
دخلت مبنى الجمهورية شاهدت أيضا عدد من السعاة يلتفون حول جهاز راديو موجود في صالة التحرير، سألت ما الخبر، وجاءنى صوت الرئيس جمال عبد الناصر وعرفت أن انقلابا قد وقع في دمشق ضد الوحدة مع مصر وان الرئيس عبد الناصر القى بيانا أعلن فيه أن قوات الجيش السورى تتحرك من حلب وان قوات الجيش المصرى تتحرك في اتجاه اللاذقية لإخماد الانقلاب.
كنا يوم الأربعاء وأسرعت إلى مكتبى لاعداد عدد الجمهورية الاسبوعى الذي يصدر يوم الخميس، طلبت سامى داوود رئيس تحرير العدد الأسبوعى وراجى عنايت سكرتير تحرير العدد، وأحمد عادل رئيس القسم الخارجى وبدأنا نتلقى الأنباء ونشرات الاستماع من الإذاعات المختلفة.
بعد ساعة كانت أمامى أكوام من الأنباء المتناقضة وكل خبر له أثره العميق في نفسى، بدأت أفحص الأخبار وتقارير الاستماع وبيانات قادة الانفصال وكله هجوم على مصر وسياساتها واستعمارها لسوريا وهجوم على شخص وقيادة عبد الناصر.
ومن أغرب ما قرأته من بيانات قادة الانفصال الذين عرف بعد ذلك أنهم قبضوا من ملك السعودية ثمن الانفصال مقدما ويدعون أنهم قاموا بحركتهم من أجل الوحدة، وكانت تعليقات وكالات الأنباء الأجنبية كلها شماتة في مصر وفى عبد الناصر على الأخص.. وفى مقدمتها إذاعة البى بى سى وصوت أمريكا وإسرائيل وغيرها، وكلها سموم ضد مصر.
عاد المشير عامر الذي كان موجودا في سوريا معززا مكرما، وكان هناك أيضا وفد من الأدباء المصريين برئاسة يوسف السباعى وعدد كبير من كتاب مصر ومنهم د. سهير القلماوى.. وهؤلاء أبعدتهم السلطات الحاكمة الجديدة في سوريا إلى بيروت ليكونوا في أمان.
وكانت هناك أخبار عن وصول قوة صاعقة مصرية وبالرغم من ذلك كانت تعليمات عبد الناصرعدم إطلاق طلقة واحدة، وكانت النتيجة أن قاد الانفصاليون قائد الصاعقة المصرى إلى التليفزيون السورى لكى يتفرج عليه الشعب العربى.