صوتك ما زال يتردد على مسامعي.. قصة شاب عثر على والدته بعد غياب 11 عاما (صور)
صوتك ما زال يراود مسمعي، وصورتك ما زالت أمام ناظري، وأنا ما زلت أشعر وكأنني في حلم، أنتظر متى أصحو منه، ولكن غيابك يا أمي واقع مؤلم لكني لم أفقد الأمل وسأظل أبحث عنك أبد الدهر.. تلك الكلمات كان دومًا يدونها صبري محمد شحاته محمد"، على صفحته الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي الـ"فيس بوك"، بعد أن تغيبت والدته "فايزة عمار متوبل عمار"، ابنة قرية الرحمانية التابعة إداريا لمركز مغاغة، والمفقودة منذ 11 عاما.. حتى أكرمه الله وجمع شمله بوالدته مرة أخرى.
"ذهبت ولم تعد"
رحلة بحث دامت 11 عاما بدأها ابن قرية بني خالد التابعة إداريًا لـ "مركز مغاغة"، الواقعة أقصى شمال محافظة المنيا، في النزول إلى الشوارع والبحث لدى أقاربه عن والدته، حتى بدأ "صبري" يفكر في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك وتويتر وإنستجرام" وبدأ في نشر صورة والدته مدونًا "ساعدوني في البحث عن والدتي التي تركت المنزل وهي تعاني من حالة نفسية في عام 2008، وبجانب مواقع التواصل الاجتماعي نصحه البعض باستخدام المواقع الإلكترونية الإخبارية، فكانت "فيتو" واجهته الأولى ففي يوم الأربعاء الموافق الثالث والعشرين من شهر يناير الماضي للعام الجاري، نشرت "فيتو" على موقعها تقريرا بعنوان:
«أمي ذهبت ولم تعد.. 10 سنوات من البحث دون جدوى».
"أبيع هدومي"
ويقول "صبري"، بعد مرور 9 أشهر على نشر التقرير لم أيأس، واستمرت في نشر صورها على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية، بل إنه طبع 10000 بوستر مدون عليها اسمها وتاريخها المرضى وأرقام الهاتف وصورتها الشخصية، رغم أن الحالة المادية "مش قد كده.." لكن والله لو كلفني الأمر أبيع هدومي والله ما هتأخر هبيعها وأطبع بوسترات علشان ألاقي أمى"، يقول صبري: علشان لو هي مكاني كانت عمرها ما هتستخسر فيا حاجة علشان تلاقيني" على حد تعبيره.
"باتت والدتي وحيدة"
يستكمل "صبري" روايته لـ"فيتو" قائلا: انفصلت والدتي "فايزة عمار" بعد مرور عام واحد فقط من زواجها بوالدي، واتخذت من منزل والدتها مأوى لها ونحن معها، وفي ظل الحالة المادية الصعبة قررت أن أعمل في منطقة إمبابة التابعة لمحافظة الجيزة، وبدأت تعيش مع والدتها حتى توفاها الله، من هنا وباتت والدتي وحيدة، تلك الوحدة التي أصابتها بالاكتئاب والمرض النفسي واتخذت من الشارع مأوى لها، قمت بتحرير محضر تغيب بمركز العدوة برقم 3102 لسنة 2008 إداري العدوة، في محاولة منى للعثور عليها، تركت جميع أوراقها الشخصية في المنزل، وحتى الآن لم تعد مرة أخرى.
"مكالمات هاتفية"
ومع نهاية مواعيد عملي الرسمية في الجيزة، أتجول ليلًا في شوارع وميادين مصر ومحطات المترو أمسك بيدي بسترات عليها صورتها وأرقامي وباليد الأخرى أحمل المادة اللاصقة "الصمغ"، "لفيت مصر كعب داير ألصق صور أمي في كل مكان دون أن أكل أو أمل فلم أفقد الأمل قط"، تلقيت العديد من المكالمات الهاتفية البعض منها وهمي والبعض الآخر نصب"
"أنا عارف طريق أمك"
ألو.. صبري.. أنا عارف طريق والدتك فين.. تعالى منطقة السيدة نفسية ونشرب شاي واتأكد.. أنا منتظرك في أي وقت "تلك المكالمة الأخيرة الذي تلقاها "صبري" من أحد ساكني تلك المنطقة بعدما رأى منشور ملصق في أحد جدران المنطقة، وبين الخوف والأمل توجه صبري إلى منطقة "السيدة نفيسة بالقاهرة"، تقابل مع رجل خمسيني أكرمه وأثناء جلوسه معه "مرت الأم من أمامه".
"قلبي اتخطف"
ويقول صبري: فور مرور والدتي من أمامي وهي ترتدي عباءة سوداء غطتها الأتربة وشال أسود يخبئ العجز والضعف والمرض وملامحها التي غير الوقت بعض منها.. حسيت أن قلبي انخطف".. وسألني الرجل الخمسيني "إيه رأيك؟!.. فلم تكن أمامي إجابة سوى "الحمد لله"، ولكن شرط الخمسيني على أن ألتزم الهدوء؛ لأنها إذا شعرت بأي شيء مختلف ستترك المنطقة ولن تعود مرة أخرى.
"10 أيام أراقب أمي"
ما زلت تعاني من حالة نفسية صعبة بل وصلت لمنتهاها.. تثور غضبًا إذا حاول أحد الاقتراب منها أو توجيه أي سؤال إليها.. أخذت إجازة من عملي لكي أتفرغ لوالدتي فمع كل صباح ومساء، أتوجه إلى المنطقة التي تمكث فيها على جانبي الطريق أقوم بإحضار الطعام لها وأنظر إليها وأترك المكان وأرحل، في محاولة مني أن تتعرف على ملامح وجهي وتتذكرني، في ظل حيرتي وخوفي من التقرب منها خوفًا أن تترك المكان ولم أعد أعثر عليها، وبسؤال أحد الأصدقاء تعرفت على "مؤسسة إنقاذ إنسان"، تواصلت معهم، وتم تحديد موعد وصول فريق منهم.
"وعادت أمي"
حاولنا الحديث معها، ولكن باءت محاولتنا بالفشل وسط خوف وذعر، وحالة من الهياج من قبل والدتي، ولم يكن أمامي إلا إبلاغ قسم شرطة المنطقة، وأنا أحمل معي محضر تغيّب من قسم شرطة مغاغة، والصور والبطاقة الشخصية وشهادة الميلاد "جميع المستندات الخاصة بها" كان معي في ذلك الوقت جميع الأوراق التي تثبت أنها والدتي"، لم يتركني فريق مؤسسة إنقاذ إنسان، وكان قد مر على وجودهم معي أكثر من 8 ساعات، وجاءت الشرطة وتم اصطحاب والدتي إلى مؤسسة "إنقاذ إنسان"، ففي الساعة الأولى فور وصولها لـ"المؤسسة" تلقت كافة الرعاية الطبية والعلاجية، وتم تغيير ملابسها بالكامل وعادت أمي لي مرة أخرى.