رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

لغز مقتل الحاكم بأمر الله على يد أخته ست الملك

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

حكم الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله مصر والشام وأجزاء من العراق مع الحجاز وشمال أفريقيا في المدة ما بين (386ـ 411) هـ الموافق (996 ـ 1020م)، وكان الحاكم في الحادية عشرة من عمره حين تولى الخلافة، وفي ذلك الوقت كانت أخته غير الشقيقة ست الملك أتمت عامها السابع والعشرين، أي كانت تدرك الأمور أكثر من أخيها الصبي، مع ما اتصفت به ست الملك من ذكاء وعبقرية نلمسها من سيرتها التي بدت بين سطور تاريخ أخيها الحاكم وبعد مقتله.


المياه الجوفية تعرقل عملها.. لجنة من الآثار تعاين حفر خلسة ببولاق أبو العلا


ووقع الحاكم تحت سيطرة ابن عمار، ولم تتحمل ست الملك ذلك الوضع فتآمرت مع أخيها على عزل ابن عمار، وكانت ست الملك تشارك أخاها سعادته، ظنًا منها أن خادمهم برجوان سيكون أفضل من ابن عمار، وأهدت ست الملك أخاها الخليفة ثلاثين فرسًا مرصعة بالذهب والبللور، وعشرين بغلة وخمسين خادمًا ومائة تخت ثياب وتاجًا مرصعًا وأدوات ثمينة وتحفة فنية عبارة عن بستان من فضة مليء بالأشجار، وذلك ابتهاجًا بالنصر.

ولكن أفراح الحاكم وأخته لم تطل، إذ ما لبث أن استبد برجوان الخادم بالأمر، بعد أن كون لنفسه حرسًا خاصًا، وعقد صلحًا مع خصومه السابقين ومنهم ابن عمار في مقابل اعترافهم بسلطانه، وبعد أن تمكن له الأمر أصبح برجوان الخادم السابق يستخفّ بالخليفة ويسيء معاملته وينهب الأموال حتى بلغت ثروته أكثر من مائتي مليون دينار وخمسين أردبًا من الدراهم والفضة واثني عشر صندوقًا من الجواهر، بالإضافة إلى الممتلكات العينية، وفي غمرة فساده وطغيانه نسي برجوان أن الخليفة الصبي أصبح شابًا، وأن أخته ست الملك معه تخطط له، وفي النهاية نجح التخطيط فاستدعى الخليفة خادمه برجوان وقتله.

وكانت ست الملك وأم الحاكم تراقبان الموقف خوفًا على الحاكم، وبعد التخلص من برجوان رجعتا في اطمئنان، ولا تزال إحدى حارات القاهرة تحمل اسم برجوان، وبعد التخلص من برجوان صفا الأمر للخليفة، ومعه أخته ست الملك، وكان من الطبيعي أن يبدأ النزاع بينهما بعد فترة من الوئام.

ويبدو أن الحاكم كان يعاني من نوع من الوسواس القهري يخيل إليه أن كل الناس يتآمرون عليه، وربما يرجع ذلك إلى ما عاناه من بدايته من استبداد ابن عمار وبرجوان به، وزاد في الوسواس لديه اقتناعه بأن أخته ست الملك تتآمر على حياته، وأنها أقدر من الآخرين على الكيد له، ولذلك أكثر الحاكم من قتل أعيان الدولة بتهمة أنهم أعوان ست الملك، ثم بدأ العداء بينهما يأخذ صورة علنية، إذ اتهمها بإقامة علاقات آثمة محرمة مع أولئك الأعوان، وكان أظهر من قتله الحاكم بتلك التهمة قاضي القضاة مالك بن سعيد، وكانت هناك شائعات تقول إن مالك بن سعيد يذهب إلى قصر ست الملك ويخلو بها بحجة قراءة صفحات الدعوة الشيعية، وكان معروفًا أن الحاكم يحب القاضي مالك بن سعيد ويثق فيه، إلا أن تلك الشائعة أوغرت صدره وأثارت شكوكه، فاختبر الحاكم ذلك القاضي، فأمره أن يقطع ألسنة الذين ثبت ترديدهم لتلك الشائعة، فلم يستطع القاضي تنفيذ الأمر، فأمر الخليفة بقتل صديقه القاضي مالك بن سعيد سنة 405هـ.

ويذكر المقريزي في تاريخه (اتعاظ الحنفا في سيرة الفاطميين الخلفا) عن الفاطميين أن السبب في قتل الحاكم للقاضي مالك بن سعيد أنه اتهم بموالاة سيدة الملك، وكانت تلك أول إشارة علنية لانتهاء فترة الوئام بين الخليفة وست الملك.

ويذكر المؤرخون أن الحاكم قال لأخته في مقابلة عاصفة بينهما: أنت حامل، وأنه رماها بالفجور، وكان ذلك سنة 410هـ أي في وقت تجاوزت فيه ست الملك الخمسين من عمرها، وحين تأتيها هذه التهمة صريحة واضحة من أخيها الذي شاركت في تربيته، فإننا نتوقع أن الأمور وصلت بينهما إلى حد القطيعة الدائمة، وكانت تلك هي القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقولون، لأنه بعدها بقليل تم اغتيال الحاكم بطريقة الجريمة الكاملة، فكرت ست الملك في قائد ينفذ لها مهمة الاغتيال، فوقع اختيارها على الأمير ابن دوَّاس الذي كان يعيش في رعب متخوفًا من غدر الحاكم به، فأرسلت إليه أن يأتيها، ولكنه خاف على نفسه من مكائدها أو من عيون أخيها، وتردد، ولكنه فوجئ بها تأتي إليه متنكرة وتدخل عليه، فانكب على الأرض يقبلها أمامها، ودخلت في الموضوع مباشرة، فعرضت عليه أن يقتل الحاكم قبل أن يقتله وأطمعته في أن يكون مدبر الدولة لابن الحاكم الذي سيتولى الخلافة بعده، وأن شئون الدولة ستكون بينهما وبينه ورضا ابن دوَّاس إذ ليس له خيار آخر، فلو رفض لاستطاعت ست الملك التخلص منه، ولو حتى عن طريق الإيحاء والتأثير على الحاكم بوجود علاقة تآمرية بينهما، واجتهد ابن دوَّاس في التنفيذ، بعد أن أعــدّت له ست الملك الخطة، وكانت تعرف مواعيد خروج أخيها من القصر متنكرًا، وعليه ثياب الرهبان راكبًا حمارًا، وفي ليلة الإثنين السابع والعشرين من شوال خرج الحاكم بعد أن ودع أمه وانتظرت أمه وأهل القصر رجوعه فلم يرجع، وبذلك نجحت خطة ست الملك في اغتياله.

وفي هذه الأثناء كانت ست الملك أعدت عدتها للإمساك بكل الخيوط، فأمرت الوزير خطير الملك باستدعاء الأمير الفاطمي ابن إلياس بدمشق دون أن تعلمه بما حدث للحاكم، وحين أتى إلى الحدود المصرية قتلوه حتى لا يطالب بالعرش، وفرقت على الجنود مليون دينار، وأعلنت للناس غيبة الحاكم، وأنه يراسلها، وأمرت الناس بالكف عن الكلام، وأمرت بقتل من يتزيد في الكلام ومن يتخلف عن بيعة ابن الحاكم وهو الظاهر بالخلافة، وتمت البيعة للخليفة الظاهر الفاطمي في يوم الأضحى سنة 411هــ، وكان عمره وقتها ست عشرة سنة وثلاثة أشهر، وهي التي ألبسته تاج الخلافة المرصع بالجواهر، وجعلت على رأسه مظلة مرصعة وأركبته فرسًا رائعًا بمركب ذهب مرصع بالجواهر، وأخرجت بين يديه الوزير وكبار الدولة، فلما تقدم الموكب هتف الوزير في الناس: يا عبيد الدولة مولاتنا ست الملك تقول لكم هذا مولاكم أمير المؤمنين فسلموا عليه، فارتمى ابن دوَّاس بين يديه يقبل الأرض، وتتابع بعده القواد والزعماء يعطونه العهد والميثاق، وهمس أحد الغلمان قائلًا: لا أبايع حتى أعرف خبر مولاي الحاكم، فأخذوه وغرقوه في النيل، فارتعب الجميع، وتم الأمر لست الملك والخليفة الصغير الذي ليس له من الأمر شيء، وأظهرت ست الملك الود الزائد لابن دوَّاس شريكها في المؤامرة، فزارته في منزله وجعلته يثق فيها، وبعد أن تم لها الأمر أشارت إلى عبيد الحاكم بأن ابن دوَّاس هو قاتل سيدهم الحاكم فدخلوا عليه وقتلوه، وقتلوا كل من شارك في المؤامرة، وبذلك نجحت في تنفيذ الجريمة الكاملة.

وظلت ست الملك تدبر شئون الخليفة الصغير، وتتحكم في كل صغيرة وكبيرة ، فأعادت للدولة هيبتها وملأت الخزائن بالأموال، واصطنعت الأكفاء من الرجال إلى أن ماتت في مستهل جمادي الآخرة سنة 614هـ وهي في السابعة والخمسين من عمرها.
Advertisements
الجريدة الرسمية