إقامة المناطق اللوجستية يكشف قصور التصنيع المحلي.. وزير التموين: التجارة الداخلية قاطرة الصناعة.. خبراء الاقتصاد: الأولوية لتطوير القطاع الصناعي.. رشاد عبده: نحتاج لخطة للاكتفاء الذاتي من السكر والزيت
شهد جهاز تنمية التجارة الداخلية، التابع لوزارة التموين، طفرة كبيرة، خلال الفترة الماضية، من حيث طرح فرص استثمارية أمام المستثمرين ورجال الأعمال بالمحافظات المختلفة، لإنشاء مناطق لوجيستية وأسواق ومراكز ومناطق تجارية، وفقا لاحتياجات كل محافظة، وتسابق المستثمرين على تلك الفرص لاقتناصها والاستفادة من التيسيرات التي يقدمها الجهاز.
ويعلن جهاز تنمية التجارة الداخلية عن طرح الفرص الاستثمارية طبقًا لأحكام قانون تنظيم التعاقدات التي تبرمها الجهات العامة رقم 182 لسنة 2018 بنظام المزايدة العلنية العامة مقابل حق الانتفاع السنوي للمتر المربع، وذلك في إطار إستراتيجية الدولة لتنمية وتطوير التجارة الداخلية، والتي تهدف إلى رفع معدل نمو التجارة الداخلية وزيادة الاستثمارات، وتحديث الأسواق وخلق فرص عمل جديدة.
وتعتبر المناطق اللوجيستية مناطق خدمات متكاملة تخدم التخزين والأنشطة الأخرى المكملة لها لضمان سلامة المنتجات ووصولها للمستهلك بجودة عالية، وتشتمل على مخازن مغلقة، وساحات تخزين مفتوحة ومجهزة، ومخازن تبرد (تجميد)، وأنشطة الفرز والتعبئة والتغليف، وأنشطة تجارة الجملة ونصف الجملة، ومركز منافذ بيع للمصانع المجاورة، وأسواق تجارية.
ومع التطور الذي يشهده هذا القطاع ونجاحه في توفير الاستثمارات لتطوير منظومة التجارة الداخلية بهدف إنشاء أسواق منظمة للقضاء على حلقات التداول، بما ينعكس على انخفاض الأسعار، إلا أنه في النهاية يعد استثمارًا استهلاكيًّا وليس إنتاجيًّا.
ويرى بعض خبراء الاقتصاد أنه بالرغم من أهمية هذا التطور والاحتياج إليه، إلا أن ليس هو الأساس في التحول الاقتصادي المنشود الذي يعتمد على تطوير القطاع الصناعي، باعتبار أن القطاع الصناعي يعد أكبر مكون للاقتصاد، والمصدر الأساسي لتوفير فرص العمل وزيادة الصادرات، والنمو الاقتصادي، من خلال إقامة المجمعات الصناعية، وتشغيل المصانع المتعثرة، وتشجيع ودعم المشروعات الصغير ومتناهية الصغر، وتشجيع الإنتاج والصناعات المحلية.
وأكد الخبراء أن هناك غيابًا لرؤية تطوير القطاع الصناعي رغم إقامة عدد من المجمعات الصناعية، إلا أنها لم تلقَ الدعم الكافي لجذب الاستثمارات وتطوير هذا القطاع الحيوي، والذي يعتبر عصب الاقتصاد ومصدر قوته، وطالبوا بالعمل على إعادة تشغيل المصانع المتعثرة، وإنشاء مصانع جديدة، ودعم المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر.
وفي هذا الإطار، يرى وزير التموين والتجارة الداخلية أن التجارة هي قاطرة الصناعة، والتي تحتاج إلى منافذ تجارية وأماكن تخزين وتجميع وتعبئة.
وأكد أن المطورين الذين يعملون في تلك المناطق اللوجيستية لهم علاقة مباشرة بنشاط تلك المناطق، وعلى سبيل المثال منطقة لوجيستية لقطع غيار السيارات، نجد أن هؤلاء المطورين يعملون في صناعة السيارات، وكذلك المنطقة اللوجيستية الخاصة بالأدوية نجد أن المطورين والمستثمرين فيها هم مصانع الأدوية.
وأضاف أن فتح شرايين التجارة يعظم من دور الصناعة، موضحًا أنه قبل وضع خطة لتطوير قطاع التجارة والصناعة تم إعداد الدراسات باحتياجات كافة المحافظات، سواء من صناعة وزراعة، وخصائص بشرية، ومستوى دخل وإنفاق الأفراد بالمحافظة، والأسواق التجارية بها ومدى احتياجها، وكفاءة الطرق والمرافق، لطرح الفرص الاستثمارية المناسبة داخل كل محافظة، وفقا لإحتياجاتها ومتطلباتها.
وأوضح أن الترابط بين الزراعة والصناعة والمناطق اللوجيستية والأسواق مسألة مهمة تهدف إلى التكامل الذي يؤدي إلى زيادة كفاءة المنظومة الاقتصادية.
وقال الدكتور إيهاب الدسوقي، رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات، إن مهمة وزارة التموين والتجارة الداخلية عرض السلع والصناعات وتوفيرها للمواطنين، وتسعى في سبيل ذلك إلى التوسع إنشاء الأسواق والمناطق التجارية لزيادة المنافسة وتقليل الأسعار.
وتابع: إلا أن الاهتمام بتطوير القطاع الصناعي يجب أن تكون له أولوية القصوى لدى الحكومة، وتشجيع القطاع الخاص على إقامة مشروعات صناعية جديدة.
وأكد د. الدسوقي أن المهمة والمسئولية الأكبر لوزارة الصناعة، تتمثل في التوسع في إنشاء المجمعات الصناعية، وهناك خطوات إيجابية تم اتخاذها في هذا الصدد مثل إقامة المجمعات الصناعية كما حدث في محافظة بورسعيد، والذي يعمل على تقديم حل تنموي لدعم التكامل الصناعى بين المصانع الكبيرة من ناحية والمصانع الصغيرة من ناحية أخرى.
وقال: أرى أن التوسع في إنشاء المجمعات الصناعية هو الأهم من إنشاء المناطق التجارية، لأن الاقتصاد لن يتقدم، ولن تتحسن المستوى المعيشي للأفراد إلا بالإنتاج، خاصة الإنتاج الصناعي والزراعي، مؤكدا أهمية التوسع في المجمعات الصناعية وتوفير المعلومات للمستثمرين، سواء المستثمر المحلي أو الأجنبي، لتشجيعه على الدخول في الاستثمار الصناعي والإنتاج، وتيسير وتذليل كافة العقبات أمامه في هذا النشاط، بهدف تطوير الصناعة ليس فقط من أجل السوق المحلي، وإنما بهدف التصدير التي يساهم في زيادة العملة الأجنبية وتوفير العمالة بزيادة فرص العمل بما يساعد على النمو الاقتصادي.
وأوضح الدكتور إيهاب الدسوقي أن المناطق اللوجيستية مهمة تؤدي إلى زيادة المنافسة بما ينعكس على تخفيض الأسعار، ولكن يجب أن تكون الأولويات في اتخاذ القرار الاقتصادي للمناطق صناعية لأنها الأهم التي ستؤدي إلى التقدم والنمو الاقتصادي، مطالبا بضرورة تركيز الحكومة، في استثماراتها الجديدة، على المجمعات الصناعية وتقديم الدعم لها وكافة المرافق التي تحتاجها والتراخيص اللازمة لذلك، مؤكدا على أهمية تشجيع الإنتاج المحلي والعمل على تطوير الصناعات المحلية.
"التموين": استمرار فحص التظلمات على محددات المرحلة الرابعة
وقال الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادي، إن وزارة التموين ليست وزارة إنتاجية، بل مهمتها الأساسية توزيع السلع على المواطنين، وتم إنشاؤها وقت الحرب لتدبير احتياجات الجيش في ذلك الوقت، وأصبحت غير موجودة في 90 % من دول العالم، مؤكدا ضرورة وضع رؤية وخطة من الحكومة لوصول مصر للاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية على مدار الخمس سنوات القادمة، ووقتها يتم التوسع في إنشاء المناطق اللوجيستية، تكون مهمتها عرض وتخزين السلع والإنتاج المحلي وليس المستورد.
وقال: إن خطة وزارة التموين في إقامة تلك المناطق اللوجيستية، تعتمد على توفير السلع الأساسية، حيث إن ندرة المعروض من السلع يؤدي إلى زيادة الأسعار، وبالتالي تأتي فكرة الأسواق ومناطق التخزين، لمواجهة أي ندرة في السلع والحيلولة دون ارتفاع أسعارها، حيث إن زيادة العرض من السلع تؤدي إلى انخفاض الأسعار.
وتابع د. رشاد عبده: ولكن السؤال هو؛ هل يتم توزيع المنتجات المحلية، أم المنتجات المستوردة من الخارج داخل تلك المناطق؟، رافضا الاعتماد على عرض وتوزيع السلع المستوردة بداخلها، وتشجيع المنتجين والمزارعين الأجانب على بيع سلعهم ومنتجاتهم داخل أسواقنا، دون الاهتمام بتطوير منتجاتنا المحلية، متمنيًا أن تقوم تلك الأسواق بعرض منتجاتنا المحلية.
وقال: لا يعقل أن تستورد الحكومة 85 % من الزيوت، لعدم قدرتنا على التوسع في زراعة المحاصيل الزراعية، هذا بجانب استيراد السكر، وعدم القدرة للوصول إلى الاكتفاء الذاتي من السكر في ظل وجود محصول كبير من البنجر يمكن الاعتماد عليه في الاكتفاء الذاتي من السكر.
ويرى الدكتور صلاح الجندي، الخبير الاقتصادي، أن المناطق اللوجيستية تعمل على زيادة المعروض من السلع، وزيادة التنافسية، بما ينعكس على خفض الأسعار، فضلا عن أنها تمنع جشع التجار والقضاء على ندرة السلع التي يستغلها التجار لرفع الأسعار، بما ينعكس على محدودي الدخل.
وأكد أن تلك المناطق اللوجيستية تهدف إلى الحد من مخاطر التقلبات السعرية والعمل على ثباتها، بالإضافة إلى توفير فرص عمل حقيقية أمام الشباب، فضلا عن تخزين السلع بشكل آمن وجيد، فيقلل من الهادر والفاقد، وكذلك تقليل حلقات التداول التي تساهم أيضا في خفض الأسعار، مؤكدا أن تلك المناطق تعود بالنفع على جميع أطراف العملية التجارية.
وأضاف الدكتور صلاح الجندي أن من حق المواطن الحصول على جودة عالية من السلع والمنتجات بأسعار مناسية ومخفضة عن الأسواق الخاصة، وكذلك الارتقاء بذوق المستهلك في التسوق، مؤكدا أن الأسعار في المناطق اللوجيستية تخلق مناخًا تنافسيًّا، وستكون أقل سعرا مما يتم طرحه في الأسواق الأخرى، مشيرا إلى أن زيادة حجم المعروض من المنتجات تجبر التجار على عدم رفع الأسعار.