وداعا.. أحمد السعيد
كانت جلجلة صوته تسبق حضوره، فيعلن للقاصي والدانى أنه قد جاء، وعندما يجيء يسري صخب لذيذ على حنجرة القادم الذي كانت كل زياراته مثل نسمة صيفية خفيفة تختفي قبل مرحلة الشبع أو الاعتياد أو الملل..
كانت قفشاته مثل
سطوره الساخرة النارية، كان جادا حينما يجيء الجد، وساخرا كما لم تعرف من الساخرين النادرين
مثله أبدا، وحينها تنطلق القفشات اللاذعة المريرة الضاحكة المتفائلة.
رأيته شابا ورعا خفيف الظل، قارئا جيدا موسوعيا في كثير من الأحايين.. يختطفه صوت الأذان من الجلسة التي يتصور البعض أن تركها أمر عسير..
يعود وعلى وجهه البريء لا تسكن التجاعيد، لم يمض في الحياة عمرا للوصول إلى سن التجاعيد، يتعامل مع الحياة بالقطعة، يعتبر نفسه على سفر دائم حتى جاءه السفر، في وقت كنا نظن أنه ليس موعدا لأحمد السعيد..
في لحظة نادرة غادرنا إلى مولاه، تاركا
فينا جرحا غائرا، وفقدا لا يقوى على مواجهته من عاشروه أو صادقوه أو حتى عرفوه في جلسة
هامشية!!
أحمد السعيد الصحفي الذي أدمن الورقة والقلم سابحا بكلماته العابرة إلى العقول والقلوب، كان دفتر أحوال الغلابة والبسطاء والمهمشين، اختار دوما الوقوف في صفهم يكتب المقامات الشقية، معبرا عن حال الطبقة الوسطى التي طحنتها سنوات النسيان..
بلغة يمتزج فيها الألم بالأمل، ساخرا من كل شيء، حتى ذاته لم تسلم منه، لم نره يوما يغتاب أحدا حتى من يسخر منهم، كان راقيا في سطوره، وفي أدائه الإنساني.. صديقا للجميع.
رحل السعيد في عمر الخامسة والأربعين، بعد أن زاره المرض اللعين، فكان سكون جسده في الأسبوع الماضى نهاية رحلة قصيرة، لم يمنح فيها فرصة أن نمل منه أو يمل منا.. كان حضوره استثنائيا، ورحيله مفاجئا وموجعا إلى حد الألم.. عزاؤنا أنه كان رجلا صالحا ولا نزكيه على الله..
اللهم ارحم أحمد السعيد، فإنّا نشهد
له بالصلاح، والطهارة، والنقاء، والعفة.