رئيس التحرير
عصام كامل

وتخلينا عن سر قوتنا!


ما أكثر ما اعتدنا على اقترافه من أخطاء في حياتنا اليومية حتى صارت طقوسا لا يتأذى منها المجتمع بقدر ما يسعى للتعايش معها، فصار القبح ثقافة لدى البعض لا يستنكفها ضميره، وإلا ما وجدنا من يلقى القمامة في الشوارع فتفسد الذوق العام وتنشر الأمراض وتغتال مشاهد الجمال في العيون..


وحسنًا فعلت الدولة حين شرعت في تأسيس شركة قابضة لتدوير القمامة في شتى ريوع مصر، فقد آن الأوان للتخلص الآمن منها وإعادة تدويرها.. وليت البرلمان يصدر قانونًا يفرض عقوبات صارمة ضد من يلقون مخلفاتهم في الشوارع كما تفعل دول كثيرة.. فمن أمن العقاب أساء الأدب.

ما نراه في شوارعنا وعلى شاشاتنا وفي مؤسساتنا يدعونا للتساؤل: لماذا تخلينا عن سر قوتنا وسبب خيريتنا بين الأمم.. فلم نعد نتواصى بالحق والصبر والمعروف والجد والاجتهاد والإخلاص.. ولا تناهينا عن الشر والإهمال والفساد رغم يقيننا أن الأمم إنما تبنى بالعمل والاجتهاد والخير.. أما الشر فهو يهدم أي أمة..

وهنا لا بد لنا أن نصارح أنفسنا بأن أخطاءنا ما استشرت في مجتمعاتنا في السنوات الأخيرة إلا لأنها لم تجد ضميرًا يقظًا يتصدى لانتشارها، بل تجاوب معها المجتمع بكل أسف حتى صارت جزءًا من ثقافته وسلوكه اليومي في المجالات كافة، وسوسًا ينخر في عظامه ويقوض بنيانه ومناعته الأخلاقية، فلا يكاد يفلت منها مسلسل أو عمل فني تذرعًا بأن ناقل الكفر ليس بكافر.

وهو قول يجسد إلى أي مدى انحدرت ثقافتنا وأصابها الانحطاط بدلًا من أن يكون الفن كما التعليم والثقافة، وأجهزة الدولة المعنية بصياغة العقل والوجدان وتشكيل الضمير، وغيرها من مقومات القوة الناعمة أداة تنوير وتقويم وإصلاح وطليعة للشعوب صارت للأسف عوامل تكرس لانهيار منظومة الأخلاق.

ولا غرابة في وضع كهذا أن تختفي الأعمال الفنية والبرامج التليفزيونية الهادفة التي رسمت للمجتمع قيمه ومثله العليا التي يتعين غرسها في وجدان أفراده منذ نعومة أظفارهم، وقدمت له ما ينفعه لا ما يحبه وشتان الفارق بينهما.. وأن تغيب عن أولوياتنا الجماعية قضايا مصيرية وخطيرة مثل إصلاح التعليم وترشيد الزيادة السكانية المهولة وإصلاح الصحة والثقافة..

وبدلًا من أن تنهض النخبة وأجهزة المناعة بدورها المأمول، صارت نقمة وعبئًا عليه وبات التعليم ومؤسساته والأسرة جزءا من المشكلة لا الحل.. وغابت القدوة وانعدمت القدرة على صناعة العقول النيرة والضمائر السليمة والذمم العامرة بالاستقامة وحسن الخلق.
الجريدة الرسمية