رئيس التحرير
عصام كامل

حصري لـ DW: بنجلاديش تعتزم نقل لاجئي روهينجا إلى جزيرة نائية

فيتو

يعيش أكثر من مليون لاجئ من الروهينجا الفارين من ميانمار في بنجلادش. وتعمل حكومة دكا على نقل نحو 100 ألف منهم إلى جزيرة بهشان تشار النائية، لكن ذلك يقابل برفض اللاجئين.
DW زارت اللاجئين ووثقت أوضاعهم. صباح صيفي في أواخر أغسطس، ولكن بلا شمس؛ إذ حجبت الغيوم الكثيفة نورها. مراكب تتجه صوب ميناء شيتاجونج الذي تترنح فيه قوارب صيد صغيرة فوق الأمواج. إنه موسم الرياح الموسمية.

على بعد 30 كم من البر الرئيسي، تبرز جزيرة يدعوها السكان المحليون "بهاشان تشار" (الجزيرة العائمة). قبل عشرين عامًا لم يكن لوجدها أثرًا. نشأت الجزيرة بفعل رواسب الطمي. من بعد يمكن رؤية المباني التي تغطي جزءًا كبيرًا من الجزيرة اليوم.

DW تحصل على تصريح

في تلك البيوت سيسكن قريبًا 100 ألف إنسان، بيد أنهم ليسوا من مواطني بنجلادش، بل من اللاجئين الروهينجا الفارين من ميانمار المجاورة. تجبر الحكومة البنجلادشية أولئك اللاجئين اليوم على السكن في تلك المباني رغمًا عن إرادتهم، حسب المعلومات التي حصلت عليها DW.

وحصلت DW على ترخيص كأول مؤسسة إعلامية غربية لزيارة الجزيرة، وإن كان بمرافقة جنود من البحرية. تشرف البحرية على أعمال بناء مساكن اللاجئين على الجزيرة.

فر 730 ألف من أقلية الروهينجا المسلمة من "التطهير العرقي"، حسب وصف الأمم المتحدة. استقبلتهم بنجلادش بترحاب، وأسكنتهم في مخيم للاجئين بالقرب من مدينة كوكس بازار.
توسع المخيم رويدًا رويدًا ليصبح الأكبر في العالم. الظروف سيئة: خطر انزلاقات أرضية، حرارة لا تطاق في الصيف، مخاطر أمنية، وحالات قتل وخطف واغتصاب.

"فردوس" الروهينجا

بدأت أعمال البناء في ربيع 2018، وهي على وشك الانتهاء. بيوت من الحديد والأسمنت على شكل مجمعات. في كل مجمع 16 غرفة تهويتها جيدة ومطبخان وحمام ومرحاض. كل غرفة تتسع لأربعة أشخاص.
يأتي جزء من الكهرباء من ألواح الطاقة الشمسية على السطح. كما نشاهد محطة للغاز الحيوي وأخرى لتجميع مياه الأمطار. حسب أقوال جنود البحرية المرافقة، ستشرف الشرطة على الأمن، وستُركب 120 كاميرا مراقبة.

كلفت أعمال البناء 272 مليون دولار. مصمم المخيم، المعماري أحمد موكتا، يعرب عن قناعته في تصريح لـ DW أنه سيكون "فردوسًا" للروهينجا: "سنقدم لهم شيئًا لن ينسوه ما داموا أحياء".

يتكئ عاملان على باب أحد البيوت في الطريق الرئيسي، حيث تسير خرفان تحدق بغرابة في الزوار. عند سؤال أحدهما فيما إذا كان يرغب بالعيش هنا، في حال تقديم سكن له، أجاب بنعم، مضيفًا أنه مكان جيد للعيش فيه.

يقول المهندس أحمد موكتا، الذي يعيش بين بنجلادش وإنجلترا، أنه ستُبنى مدارس ومستشفى يتسع لأربعين مريضًا ومرافق أخرى. خلال سنة أو اثنتين يمكن زيادة عدد المباني لتستوعب 400 ألف لاجئ، حسب ما يخبرنا به أحمد موكتا.

رفض و"إجبار"

عندما تبدأ عملية الإجلاء إلى الجزيرة تريد البحرية نقل من 400 إلى 500 لاجئ يوميًا. بيد أن الروهينجا يكافحون ضد ذلك بكل ما أوتوا من قوة.
"لا نريد الانتقال للجزيرة؛ إذ يمكن أن تُغمر بالماء ونموت"، تقول حميدة خاتون. يهز الجمع المتجمهر رأسه بالموافقة على ما تقول السيدة العجوز، التي تضيف: "سنكون هناك معزولين. رجاء ساعدونا!".

يؤكد وزير خارجية بنجلادش أ. ك. عبد مؤمن، لدى استقباله لفريق DW في مكتبه، أن حكومته ستنقل اللاجئين إلى الجزيرة حتى رغمًا عن إرادتهم: "سنجبرهم إذا رفضوا. لقد حان الوقت لذلك. نخشى من أن تحولهم لمتطرفين في حال بقائهم في المخيمات المكتظة هناك".
ويتابع أن الروهينجا يسببون المشكلات: "تكررت حالات قتل سكان محليين. لن نسمح بذلك. يتعين علينا الحفاظ على الأمن والنظام".

لا ترى الحكومة هنا بدًّا من نقل اللاجئين إلى الجزيرة. قبل المقابلة مع الوزير جرت محاولة لإعادة بضع آلاف إلى ميانمار، بيد أنها فشلت: رفض اللاجئون العودة "خوفًا" على حياتهم من الاضطهاد.

الأمم المتحدة متشككة

تمارس حكومة دكا ضغوطًا على الأمم المتحدة لحثها على المساهمة في خطة نقل اللاجئين إلى الجزيرة، بيد أن المنظمة الأممية تبدو متشككة.
من ناحية، تخشى أن يعلق اللاجئين لسنوات في ظل تقيد حرية حركتهم. ومن ناحية ثانية ترى المنظمة أنه من الصعب عليها تقديم المساعدات الإغاثية للاجئين في مكانين مختلفين: مدينة كوكس بازار في البر الرئيسي وجزيرة "بهاشان تشار".

في كل مكان يتردد السؤال: هل ستصلح الجزيرة للسكن الدائم؟ صحيح أن عدة جزر تبرز في خليج البنغال كل فترة وأخرى، إلا أنه لا يمكن لجميع الجزر الصمود في وجه الأعاصير.
ويحذر خبراء تحدثت معهم DW أن جزيرة "بهاشان تشار" التي برزت في العشرين سنة الأخيرة هشة البنيان.
ويضاف إلى ذلك، حسب الخبراء، تداعيات التغير المناخي: ارتفاع مستوى منسوب ماء البحر والعدد المتزايد من الأعاصير العاتية.

حائط ضد الفيضانات
يشير المسئولون البنغال إلى حائط صد بارتفاع ثلاثة أمتار مدعوم بحجارة وأوتاد وأكياس رمل ضد عوامل الحت والتعرية. وفي حال هبوب أعاصير يجب على اللاجئين التوجه لبيوت في أماكن محمية مجهزة بالماء والكهرباء على الجزيرة.
وبذلك لا حاجة لإجلاء أحد من الجزيرة في حال حدوث أعاصير، حسب مرافقنا من القوات البحرية.

سألت DW خبراء. البعض رأى أن الحائط ليس مرتفعًا بما يكفي مقترحين أن يكون ارتفاعه ستة أمتار. البعض الآخر اعتبر أن المكان سيكون آمنًا. المهندس أحمد موكتا يرد على الاتهامات: "من يدعي ذلك، لم يرَ الجزيرة ولم يفهم طبيعتها".

وعبر لنا رجل يعمل في سوق خلف حائط الصد يتبضع منه الـ 15 ألف عامل حاجياتهم عن تشككه هو أيضًا: "في بعض أيام الفيضانات لا يمكنني الوصول إلى الجزيرة. في إحدى المرات كدت أغرق لأن البحر كان هائجا".

مواجهة مع الأمم المتحدة!

تموّل الأمم المتحدة المساعدات الإغاثية للروهينجا. ليس واضحًا بعد فيما إذا كانت الحكومة ستقدم على نقل اللاجئين في حال لم توافق الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الأخرى على الخطوة.
على ذلك يجيب وزير الخارجية البنغالي بـ "ربما". كما بالنسبة له يمكن تصور طرد ممثل الأمم المتحدة من البلد في حال الرفض: "في حال الضرورة سنفعلها"، يقول غاضبًا.


هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية