رئيس التحرير
عصام كامل

خطاب مفتوح لـ «رئيس هيئة الرقابة الإدارية» (2)


يظن البعض أن الفساد الذي يشاهدونه في الأفلام منذ الثمانينيات من القرن الماضي هو صورة مبالغ فيها من الحقيقة، ولكن يكشف لنا الواقع أن تلك الأفلام لا يمكنها وصف الحقيقة البشعة لصور الفساد المالى، خاصة ذلك الذي يضفي عليه أصحابه الأوضاع القانونية، فهم أصحاب السُلطة والمنوط بهم تطبيق القانون.


ولذلك عزمنا على فتح ما لدينا من ملفات، كل واحد منها يصلح سيناريو لفيلم، ولكننا بحاجة إلى مثل الراحل يوسف شريف رزق الله، الناقد الفني الكبير لكي يحدد لنا هل تُصَنّف تلك الأفلام على أنها تراجيدية تستحق البكاء أم كوميدية هزلية تستحق الضحك، ولكنه ضحك كالبكاء.

هذه واحدة من قصص الفساد، نهديها عبر هذا الخطاب المفتوح إلى الوزير المحترم "شريف سيف الدين"، رئيس هيئة الرقابة الإدارية، صاحب التاريخ البطولي والناصع.. هي حكاية فساد من النوع الصارخ والمتبجح بالمحليات، والذي يزكم برائحته الأنوف.

تقول التفاصيل: إن محافظة البحيرة، باعت بطريق التخصيص قطعة أرض متميزة، تطل على الطريق الرئيسي المؤدي إلى وادي النطرون، مساحتها خمسة آلاف متر مربع، لشركة متخصصة للاستثمار العقاري وتنمية المدن الجديدة، بأقل كثيرا من قيمتها، مقابل 1300 جنيه للمتر، بثمن إجمالي ستة ملايين و500 ألف جنيه، بالتقسيط المريح جدًا.

وبتاريخ 27 فبراير من العام الماضي 2018، تم توقيع العقد للمشتري بمعرفة سكرتير عام محافظة البحيرة السابق، ولا نعرف هل صدر له تفويض بذلك أم أنه غير ذى صفة، وبحضور المحافظ السابق للبحيرة، وأحد أعضاء مجلس النواب.

ونشرت الصفحة الرسمية لمحافظة البحيرة، في نفس اليوم، بيانًا مصحوبًا بالصور عن توقيع عقد البيع، لهذه القطعة وقطعة أخرى لنفس المشتري.. وذكر بيان المحافظة أن التخصيص والبيع بغرض إقامة مشروعات سياحية، تضم شاليهات ونقاط تجارية (مولات)، وفندقية، لخدمة زوار مسار العائلة المقدسة، الذي هو مقصد سياحي واعد، وهذا كلام جميل شكلا، وأما الجوهر فهو مختلف تمامًا.

وتم تقدير السعر لهذه القطعة بمعرفة "هيئة الخدمات الحكومية" بوزارة المالية، بالمخالفة لـ"قانون الاستثمار" رقم 72 لسنة 2017، الذي ينص في المادة 64 منه على أن المختص بتقدير ثمن بيع الأرض للاستغلال السياحي، هو هيئة التنمية السياحية، بينما تم تقدير السعر بمعرفة هيئة الخدمات الحكومية.

وطبقا للمادة 52 من اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار، فإن مجلس مدينة وادي النطرون – بحيرة، مُلزم بإبلاغ جهة تقدير ثمن بيع الأرض، وهي المفروض أن تكون (هيئة التنمية السياحية)، بكافة المعلومات التي تمكنها من إتمام عملها، وفقا لمجموعة من المعايير، منها أثمان العقارات المجاورة، ومدى توفر البنية الأساسية، والعناصر الفنية الأخرى اللازمة والضرورية لإجراء التقدير.

وهناك عدة تساؤلات وملاحظات على هذه "الصفقة"، الموصوفة بأنها حرام، تبحث عن إجابات لها، وذلك بناءً على المعطيات الظاهرة:
1ــ المشتري قام ببناء مول تجاري متعدد الطوابق، ويقوم حاليا ببيع المحال فيه، بمساحات تبدأ بـ15 مترا، وللإنصاف فالمشتري شركته متخصصة في الاستثمار العقاري، ولم يزعم المشتري، بأنه يعمل في المجال السياحي، وإلا لكان قد أضاف "السياحة" إلى نشاط شركته.. وهذا يفسر، لغز لجوء مجلس مدينة وادي النطرون إلى هيئة الخدمات الحكومية، وليس هيئة التنمية السياحية لتقدير ثمن البيع لهذه القطعة.

2ــ هذه المساحة مخصصة للاستعمال السكني، طبقا للمخطط الإستراتيجي المعتمد من وزير الإسكان بالقرار رقم 100 لسنة 2010، فلماذا المخالفة ببيعها للاستعمال التجاري.

3ــ إذا تغاضينا عن مخالفة المخطط الإستراتيجي، وارتضينا البيع، للاستغلال التجاري، فلماذا لم يتم تقدير ثمن الأرض وفقا لنوع الاستغلال (التجاري)، لأن المعلوم، أن بنك مصر وهو مملوك للحكومة قام في وقت معاصر، لهذه الصفقة الحرام، بشراء قطعة أرض مساحتها 600 متر مربع، بمنطقة الرست هاوس خلف مبنى المطافئ، في موقع غير متميز، وتم تقدير ثمن الأرض له، بمعرفة هيئة الخدمات الحكومية ذاتها، بواقع سبعة آلاف جنيه للمتر.. فلماذا هذا الفارق الضخم في التسعير لثمن المتر، في حالتي، بنك مصر، والمشتري صاحب المول، رغم أن كليهما للاستغلال التجاري؟ ولذلك يتعين محاسبة المسئولين عن ضياع كل هذه الملايين من الجنيهات من المال العام، التي تمثل فارق السعر بين الحالتين.

4ــ لماذا تم اقتطاع مساحة 1600 متر مربع تقريبًا، من معهد بحوث المياه الجوفية الحكومي، تم إحاطتها بسور على شكل حرف "L"، بأطوال 70 مترا، ملاصقة للحد الشرقي، و60 مترا متماسة مع الحد الشمالي، للقطعة، وبعرض 12 مترا، وإهدائها "مجانا" للمشتري، وإضافتها للمول.

وفي نهاية خطابنا المفتوح نضع هذه القضية أمام الوزير "شريف سيف الدين"، رئيس هيئة الرقابة الإدارية الذي لن يرضيه بالطبع هذا العبث بالمال العام، حيثً لا يمكن أن تُهدى أراضي الدولة ويُفلت المجرمون من العقاب.. وللحديث بقية
الجريدة الرسمية