رئيس التحرير
عصام كامل

أكاذيب «الدين الموازي».. دراسة لدار الإفتاء حول السمات العشر لـ«أفكار الخوارج».. الجماعات المتطرفة حرفت منهج الشريعة الإسلامية وحادت عن أوامرها ونواهيها.. ومبدأ التقية ورفض المدنية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

في محاولة منها لوضع الأمور في نصابها الصحيح، ولبيان الحق من الباطل فيما يمكن تسميته بالدين "الموازي" الجديد، الذي ابتدعته الفئة الضالة والجماعات الإرهابية والتكفيرية، أعدت دار الإفتاء دراسة جديدة لعرض وتفنيد السمات العشر لدين الخوارج، محذرًة من الانخداع بها، أو الوقوع تحت زيف بريقها، ووفقا للدراسة إلى حصلت عليها "فيتو" فقد جاء السمات العشر كالتالي:


أولا.. زعم الاختصاص بالحق من دون سائر الخلق:
وأشارت الدراسة إلى أن شريعة الإسلام تشهد للأمة كلها بالخيرية، حيث يقول الله عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} وقال نبينا الكريم -ﷺ-: "وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الْأُمَم"، وقال عنها: "أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ" وجماعات الخوارج تخص نفسها بالهداية والاستقامة والالتزام بالدين، وترمي الناس بالزيغ والهلاك، وتقسم الناس لعوام وخواص، وتصف مجتمعات المسلمين بالجاهلية وترى في نفسها أنها هي جماعة المسلمين؛ فإسلام الفرد عندهم لا يتحقق إلا بتصور معين، وفق فهم خاص، وآلية خاصة.

ثانيا: الانتقاص من أهل الاختصاص والتطاول على علماء الأمة
وفي هذا الجزء قالت الدراسة: إن الشريعة الإسلامية تضبط الكلام في الدين ومجال الفتوى، وترد أمور الشريعة لأهل الاختصاص، حيث يقول الله عز وجل: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} بينما دين الخوارج يفتح أمامهم الأبواب للكلام في الحلال والحرام وأمور الأمة العامة، فيجترئون بذلك على انتهاك المحرمات، ويصدرون الفتاوى الضالة، ويأمرون بالفتن، ويظنون أنفسهم من أهل العلم، في الوقت الذي تأمرنا فيه شريعة الإسلام بتوقير العلماء واحترامهم والأخذ عنهم، بينما دين الخوارج يدعو إلى الانتقاص منهم، ورميهم بالتهم، وادعاء الاستغناء عنهم.

ثالثا: الغلو في تكفير المخالف والنيل منه:
وهنا أوضحت الدراسة أن «شريعة الإسلام تأمر بالتعايش مع الخلق والتعاون معهم، وتعتبر أن جميع بني آدم يمثلون عائلة واحدة، ربهم واحد ويعيشون على أرض واحدة، وترى أن الاختلاف بين الناس سنة إلهية لا تقتضي التناحر، وتترك حساب الخلق على ربهم. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ويقول النبي -ﷺ-: "اللهم ربَّنا وربَّ كلِّ شيءٍ، أنا شهيدٌ أن العبادَ كلَّهُم إخوة" في حين أن جماعات الخوارج ترى أن العلاقة بين المسلمين وبين غيرهم يجب أن تكون صراعا وصداما ومواجهة، ويغفلون كل المشتركات البشرية، ويجعلون اختلاف الدين سببًا للكراهية»، وأضافت أن «شريعة الإسلام تحكم بالإسلام وتثبته لكل من نطق بالشهادة، قال النبي ﷺ: "مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا الله، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ" كما أنها تحذر من رمي الناس بالكفر، وتجعل ذلك من عظائم الذنوب، وتأمر بإحسان الظن بالناس يقول الله عز وجل: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} وقال النبي -ﷺ-: "وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ" وجماعات الخوارج وتيارات التشدد تجعل منطلق دعوتها هو التكفير، وتعطي لنفسها الحق في الحكم على عقائد الناس وتحديد من هو المسلم وغير المسلم».

رابعا: الانتقاص من قيمة الوطن
وشددت الدراسة هنا على أن «شريعة الإسلام ترشدنا إلى أن حب الوطن من الإيمان، وتذكر لنا أن خير خلق الله سيدنا محمد -ﷺ- كان يحب مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتبين لنا أن الانتماء الوطني أمر فطري وواجب شرعي، وتوضح لنا أن قوة الوطن قوة للدين؛ فمن خلال ذلك تظهر الشرائع وترفع الشعائر وتنتشر مظاهر الإسلام، في حين أن دين الخوارج يعتبر محبة الأوطان شرك، ويرى أن التعاون مع مؤسسات الدولة والعمل بها كفر».

خامسًا: اتخاذ الدين وسيلة لتحصيل أمور دنيوية
وقالت الدراسة: شريعة الإسلام تأمرنا بتنفيذ أوامر الله عز وجل والالتزام بالدين طاعة لله عز وجل ورغبة في تحقيق رضاه، ودين الخوارج يجعل ذلك وسيلة تحقيق أهداف دنيوية يلبسونها ثوب الدين، فيرفعون شعار الدين يخدعون به الناس لتحصيل الدنيا.

سادسًا: عدم احترام مقدسات الأديان بل والدعوة إلى تخريبها
وتابعت الدراسة أن «الشريعة الإسلامية تأمر باحترام مقدسات الأديان وترى أن ذلك من الواجبات، وتحرم الاعتداء عليها بأي وجه من الوجوه، وقد أعطى النبي -ﷺ - العهود بحفظ مقدسات نصارى نجران، فكانت هي القاعدة في الكيفية التي يتعامل بها الإسلام مع المقدسات الدينية لغير المسلمين، في حين أن دين الخوارج يأمر بإيقاع الضرر بمقدسات غير المسلمين، ولا يقيم وزنًا للنصوص الشرعية التي تحث على احترامها».

سابعًا: مبدأ السرية أو التقية
كما شدد الدراسة على أن «الإسلام لا يعرف مبدأ السرية أو التخفي أو التلون أو النفاق أو التقية في ممارسة الأعمال الدينية والدنيوية وفي العلاقات بين الناس بعضهم البعض، وقد قال رسول الله -ﷺ-: "وَعَلَيْكَ بِالْعَلَانِيَةِ، وَإِيَّاكَ وَالسِّرَّ"، بينما دين الخوارج وجماعات التطرف قائم على السرية والتخفي والنفاق والأهداف غير المعلنة».

ثامنًا: التساهل في أمر الدماء
وأوضحت الدراسة فيما يتعلق بـ«أمر الدماء» أن «شريعة الإسلام تأمر بحفظ الدم وتحذر من انتهاك حرمته، وتعلي من شأن حياة الإنسان. يقول الله عز وجل: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}، وقال النبي -ﷺ-: "لَزَوَالُ الدُّنْيَا جَمِيعًا أَهْوَنُ عَلَى الله مِنْ دَمٍ يُسْفَكُ بِغَيْرِ حَقٍّ" في حين أن دين الخوارج يجعل سفك الدم المحرم من الطاعات، فأسهل الأشياء عندهم هو الاعتداء على حياة الناس».

تاسعًا: العمل ضد مظاهر المدنية والتحضر
وهنا أشارت الدراسة إلى أن «الإسلام يعلي من شأن قيمة العمل ويحث على عمارة الأرض ونشر مظاهر المدنية والحضارة، ويجعل ما يبذل في سبيل ذلك من القربات إلى الله عز وجل التي يثاب المرء عليها. يقول النبي -ﷺ-: "مَنْ بَنَى بُنْيَانًا مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ وَلا اعْتِدَاءٍ أَوْ غَرَسَ غَرْسًا في غَيْرِ ظُلْمٍ وَلا اعْتِدَاءٍ كَانَ لَهُ أَجْرٌ جَارٍ مَا انْتُفِعَ بِهِ مِنْ خَلْقِ الله تَبَارَك وَتَعَالَى"»، كما لفتت الدراسة إلى أن «جماعات الخوارج في خصام وتنافر مع مظاهر عمارة الأرض وضد كل نجاح بشري، فهم لم يقدموا أي شيء نافع لمجتمعاتهم أو أمتهم؛ بل على العكس من ذلك أفسدوا في الأرض، وعملوا على إزالة مظاهر المدنية وصور الحضارة تحت دعاوى زائفة».

عاشرَا: الغلو في الدين
واختتمت الدراسة بالتأكيد على أن «شريعة الإسلام تقرر معاني الوسطية وتحذرنا من الغلو والتنطع في الدين، قال سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}، كما حذرنا النبي -ﷺ- من التشدد والغلو فقال: "إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ"، وأخبرنا -ﷺ- عن جوهر دعوته وحقيقتها فقال: "بُعِثْتُ بِالحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ"، بينما دين الخوارج يرى أن التشدد والغلو علامة على حسن دين صاحبه».

ومن جانبه قال الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي الجمهورية: الفكر التكفيري الذي بدأ مع جماعات الخوارج، واستمر ظهوره لدى بعض الطوائف والجماعات في العصر الحديث انحرف بالمفهوم الصحيح للدين؛ فجعل نقطة الانطلاق لفهم الدين وتطبيقه هو سوء الظن بالمسلمين، والقول بوقوع الجاهلية في الأمة، ورمي المسلمين بالشرك والكفر، وعدم رؤية مظاهر الخير في مجتمعات المسلمين، وعدم ارتضاء أي فهم للإسلام وقضاياه إلا ما يعبر عن آرائهم، بحيث أصبح منهجهم تحريفًا لمعاني الدين وتشويهًا لمعالم الشريعة. وقد أخبرنا النبي ﷺ عن منهجهم وحذرنا منهم فقال: "إِنَّ مَا أَتَخَوَّفُ علَيكُم رَجُلٌ قرَأَ القُرآنَ حتَّى إِذا رُئيَت بَهجَتُهُ عَليهِ وكَانَ رِدْئًا للإِسلَامِ غَيَّرَه إِلى مَا شاءَ الله فانسَلَخَ مِنهُ، وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهرِهِ، وَسَعَى عَلَى جَارِهِ بِالسَّيفِ وَرَمَاهُ بِالشِّركِ" قال: قلتُ: يا نبيَّ الله، أيُّهما أولَى بالشِّرك المَرمِيُّ أم الرَّامي؟ قال: «بل الرَّامِي».

وأضاف: الشخصية التكفيرية المتشددة تتجه في تعلمها للدين والالتزام به وتطبيقه إلى التركيز على قضايا أحكام الكفر والإسلام والردة والشرك، والحكم على الناس بالكفر أو الإيمان، في انعزال كامل عن فهم علماء الأمة والمجمع عليه فيما يتعلق بهذه القضايا والمسائل، فنجد أفراد الجماعات والتيارات المنحرفة أسهل الأشياء لديهم هو رمي الشخص بالكفر والشرك، فالكثير من الكتب والمصنفات والمحاضرات والتوجيهات وخطابهم الدعوي، كل تلك الأمور تنطلق وتدور حول أحكام الكفر ومتى يكفر الإنسان ومتى لا يكفر، ومتى يقع في الشرك ومتى لا يقع، وهل هو معذور أو غير معذور، في انحراف كامل عن رسالة الإسلام وحقائق الدين وغفلة تامة عن مقاصد الشريعة.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية