مغتصب ومخرجتان.. ماذا عنا؟
كم يشعر المرء بغصة، حين يجد من علمناه، ومن اكتشفناه وقدم جميع أعماله الفنية عندنا، يسبقنا بأشواط، يبلغ العالمية وينافس على أرفع الجوائز، ونظل نحن نتابع من بعيد ونتحدث عن الريادة والتاريخ!
صحيح نسعد للفنانين العرب، لكن لا يمنع أن نعترف بأخطائنا ونسعى لتصويبها، واستغلال الريادة والتاريخ الفني في تقديم أعمال تهتم بالقيمة والقضية الإنسانية، لا الابتذال والإباحية، وتقليد الغرب في كل مثير ورخيص.
منح مهرجان البندقية السينمائي الدولي، أقدم وأعرق مهرجانات العالم، الفنانة التونسية "هند صبري" جائزة "ستار لايت سينما أوورد"، لموهبتها الكبيرة ومسيرتها الفنية الرائعة"، وبهذه الجائزة باتت "صبري" أول فنانة عربية تحصل على التكريم السينمائي الرفيع. كما اختارها المهرجان أيضا ضمن لجنة تحكيم مسابقة "العمل الأول" التي تم استحداثها أخيرًا، ويترأس اللجنة المخرج الصربي الشهير، "أمير كوستاريتسا".
لا ننكر أن "هند" ممثلة شاطرة، لكنها في النهاية اكتشاف مصري ومسيرتها كلها في مصر، ولدينا من يفوقها اسما وموهبة وتاريخا وأعمالا!!.. بمعنى أن القصور منا بشكل أو بآخر.
في "البندقية" أيضا تنافس المخرجة السعودية "هيفاء المنصور" للمرة الأولى، على جائزة "الأسد الذهبي" المرموقة بفيلم "المرشّحة المثالية" ضمن أفلام المسابقة الرسمية. الفيلم عن طبيبة سعودية تقرر أن تترشح للانتخابات البلدية في المملكة. وحظي بدعم وزارة الثقافة السعودية، بعد انفتاح المملكة على الترفيه والفن وبدء صناعة سينما في العامين الماضيين.
"هيفاء" ابنة الشاعر "عبدالرحمن المنصور"، وأول مخرجة سعودية تتولى صناعة الأفلام، أنجزت أفلامًا وثائقية وقصيرة عدة قبل أن تحقق الشهرة مع فيلم "وجدة"، الذي شرّع لها أبواب الغرب لتنجز بعده فيلمها الروائي الطويل الثاني "ماري شيلي".
درست "هيفاء" في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وقررت احتراف السينما الممنوعة في المملكة، بدأت صناعة أفلام متفرقة قبل سنوات في ظل عدم وجود دور سينما، إلى أن شاركت بفيلمها الروائي الأول "وجدة" في "البندقية" العام 2012، لكن في مسابقة "آفاق"، لتعود إلى المهرجان نفسه بفيلم "المرشحة المثالية" منافسة على الجائزة الكبرى "الأسد الذهبي".
تستحق "هيفاء المنصور" ما وصلت إليه، لأنها تحدت الموانع في السعودية، غامرت ونفذت أفلامها في ظل ظروف بالغة القسوة، ناقشت فيها قضايا ومعاناة المرأة السعودية قبل الانفتاح الأخير، وها هي تحصد ثمار تعبها.. أما نحن أصحاب الريادة فأكتفينا بالفرجة، لأننا استسهلنا التقليد واعتمدنا السطحية والتغريب، وابتعدنا تماما عن قضايا المجتمع الحقيقية!!.
نعود إلى "البندقية" الذي بات منصة كبرى لإطلاق الفائزين بجوائز "الأوسكار"، لكنه في كل عام يثير الجدل والانتقاد بشأن اختيارات مدير المهرجان "ألبرتو باربيرا" وإصراره على عدم الاستعانة بالنساء، مبررا أن "الإبداع لا يحدده جنس صاحبه وهدد بالتخلّي عن منصبه على الإذعان للضغوط بشأن نسب تمثيل متفاوتة".
في الدورة الحالية، زاد "باربيرا" الجدل بمشاركة المخرجَين "رومان بولانسكي" و"نايت باركر"، المتهمين بقضايا، ولم تضم المسابقة الرسمية سوى فيلمين لمخرجتين من أصل 21 مخرجًا يتنافسون على الجائزة الكبرى، والمخرجتان المشاركتان حاليا هما السعودية "هيفاء المنصور" بفيلم "المرشحة المثالية" والأسترالية "شانون مورفي" بفيلم "بايبيتيث"، ما أدى إلى تنديد كبير من الناشطات.
غرّدت "ميليسا سيلفرستين" مؤسسة حركة "ويمن أند هوليوود": "أولًا يحضرون مغتصبًا، ولا يدرجون في المسابقة سوى مخرجتين. هل فاتني أمر آخر؟"، في إشارة إلى إدانة "بولانسكي" باغتصاب مراهقة في الثالثة عشرة من العمر سنة 1978، وملاحق حتى الآن من القضاء الأمريكي.
وأكملت السخرية: "تبلين بلاءً حسنا يا بندقية"، مرفقة التغريدة بمحاكمة الممثل الذي خاض مجال الإخراج على خلفية الاغتصاب حين كان في الجامعة.
بينما تساءلت "فيونوالا هاليغان" من مجلة "سكرين ديلي" عن مغزى خيارات المهرجان: "باربيرا لم يجد مخرجة على قدر التوقعات، لذا أدرج فيلمًا لمخرج حكم عليه باغتصاب طفلة.. هذا الخلل بين تمثيل الرجال والنساء لم يعد مقبولًا... ووجود "بولانسكي" يزيد الطين بلة".
وعلّقت المخرجة "لورا كايهر"، رئيسة جمعية "سوان" السويسرية لدعم النساء: "يبدو أنهم يحبون أن يكونوا آخر الديناصورات".
وحاول "ألبرتو باربيرا" الدفاع عن خياره: "نحن هنا لنشاهد أعمالًا فنية، لا لنحاكم الشخص الذي يقف وراءها، لدينا افلامًا كثيرة تطرقت إلى ظروف المرأة هذه السنة، وإن كانت بإخراج رجال". واستشهد مدير المهرجان بفيلم الافتتاح الفرنسي "الحقيقة" بطولة "كاترين دونوف" و"جولييت بينوش"، إخراج الياباني "شهيروكازو كوره-إيدا"، عن نجمة سينمائية فرنسية تنشر مذكراتها وتسلط الضوء على حياة عائلتها، ما يجعل ابنتها تصل من نيويورك إلى باريس، لترد على أسئلة طرحتها والدتها في كتابها.
وينتظر أن تثار ضجة موازية مع عرض "أن أوفيسر أند إيه سباي"، أحدث أعمال المخرج البولندي - الفرنسي "رومان بولانسكي"، حول اضطهاد الجندي الفرنسي اليهودي "ألفريد دريفوس"، بسبب مضمونه ومعالجته.