صفعات تهدد عرش السلطان
مشهد مروع جرى تداوله لانهيار جسر في مدينة "ترمة" التركية بعد هطول أمطار غزيرة، ما أدى لسقوط من كانوا بصدد المرور لحظة انهيار جزء منه، وهو الجسر الثالث الذي ينهار في المدينة ذاتها بفعل سيول، أدت إلى احتجاز مواطنين وسياح في منازلهم وسياراتهم، ووقوع خسائر مادية بالمحال التجارية والمرافق.
لا يملك الإنسان شيئا أمام تغيرات المناخ والطبيعة، لكن في المقابل تشهد تركيا التي تحظى بعشرات ملايين السياح أحداثا مؤسفة وجرائم خطف وسرقة واحتيال غريبة على هذا البلد، فاضطرت مجموعة دول إلى تحذير مواطنيها من السفر إليها، دون فائدة بعد أن اعتادوا عليها فضلا عن عروضها السخية للسياحة، وانخفاض سعر الليرة الذي يجعل تكاليف الرحلة أقل.
ومع ازدياد مشكلات الرئيس "أردوغان" الخارجية وخلافاته مع الكثير من الدول، حتى يكاد يصبح معزولا إلا من دول قليلة، ظن أنه أرسى قواعد الدولة العثمانية وبات سلطانا على عرشها، حتى مني حزبه بهزيمة خسر معها أمام المعارضة بلديات أنقرة وإسطنبول وأزمير، وهو الذي قال في السابق من يحكم إسطنبول يحكم تركيا، غرور وصلف أردوغان جعله لا يعترف بالهزيمة ويجبر القضاء على إعادة انتخابات بلدية إسطنبول..
لتأتيه النتيجة القاصمة بفوز كاسح لمرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض "أكرم إمام أوغلو"، ومن بعدها بدأ انهيار شعبيته ورص المعارضة صفوفها، وحتى حلفاؤه السابقين وأصدقاؤه القدامى، الذين تخلص منهم تباعا وجدوا الفرصة سانحة، لرد الصاع صاعين وإنقاذ تركيا من "غرور السلطان"، الذي يحرق في سبيل تعزيز نفوذه وأسرته كل نجاح تحقق في 25 عاما.
قبل بضعة أيام من احتفال تركيا بـ "عيد النصر"، واجه الجيش هزة كبيرة مع استقالة مجموعة من الجنرالات، بينهم اثنان مسئولان عن نقاط المراقبة التركية في إدلب والعمليات العسكرية التركية شمال سورية، وآخران مسئولان عن العمليات العسكرية على الحدود مع العراق، وهو أمر غير مألوف في الجيش التركي. لكن قيل إن الاستقالات احتجاجا على قرارات اجتماع مجلس الشورى العسكري الأخير برئاسة "أردوغان"..
وفيه قرر إحالة معظم الضباط الذين ناهضوا المحاولة الانقلابية الفاشلة العام 2016 إلى التقاعد، وترقية كثير من الضباط الصغار قليلي الخبرة والكفاءة، ولم يستغرق الاجتماع سوى ساعة واحدة، رغم أنه في العادة يستغرق نحو 7 ساعات لبحث الترقيات بشكل مفصّل، وانتقد المستقيلون أن الاجتماع قلص عدد جنرالات الجيش إلى النصف، وأن الترقيات جاءت من حزب العدالة والتنمية الحاكم.
لم يتأثر "أردوغان" على ما يبدو بـ "صفعة" استقالة كبار جنرالات الجيش، لتأتيه "صفعة" أشد منها من حليفه وشريك النجاح السابق "أحمد داود أوغلو"، الذي اتهمه "أردوغان" بالخيانة دون أن يسميه.
اعتبر رئيس الوزراء التركي السابق "داود أوغلو"، أن مؤسسات تركيا القوية بدأت تضعف تحت إدارة "أردوغان"، وأن حزب العدالة والتنمية يعاني "من تعاسة وعدم رضا"، وبات قريبا من الانقسام في ظل سياسة "أردوغان" غير الحكيمة.
وزاد "أوغلو" من انتقاد حليفه السابق مهددا، بكشف أسرار "ستجعل وجوه الكثيرين تسوَّد". وقال "أوغلو": إن كثيرين سيخجلون من النظر في وجوه الناس، إذا فتحتُ دفاتر مكافحة الإرهاب، وستسوَّد وجوه كثيرة"، في إشارة إلى المسؤولين الأتراك وعلى رأسهم "أردوغان" في دعم الإرهاب، وتنظيم "داعش"، وتقديم التسهيلات لمناصريه، بجعل تركيا محطة عبور أساسية لهم للانضمام إلى التنظيم المتشدد والمشاركة في القتال إلى جانبه، فضلا عن الدعم المعلن لجبهة النصرة في سورية، والتنظيمات الإرهابية في ليبيا.
كما وعد "داود أوغلو" بكشف تفاصيل انقلاب "أردوغان" على المعارضة: "الجميع سيعلم قريبًا أن "الفترة بين 7 يونيو و1 نوفمبر2015 تُعدّ أخطر وأصعب الفترات السياسية في تاريخ تركيا"، في إشارة إلى اتهام حكومة "أردوغان"، أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي بالإرهاب، بعد نجاحهم في الانتخابات البرلمانية، وتشكيلهم كتلة في البرلمان، وبعد اتهام "أردوغان" لهم بالإرهاب قرر إعادة الانتخابات مرة أخرى وإنهاء محادثات السلام مع الأكراد فجأة.
ودافع "أوغلو" عن نفسه: "توليت رئاسة الوزراء، بعد نجاحي في الانتخابات، وأتذكر جميع أسلافي رؤساء الوزراء، لم يكن أي منهم خائنًا، حتى لو أطلق علينا اسم الخونة".
وأكد "أوغلو" مضيه قدما مع وزير الاقتصاد السابق "على بابا جان"، لتأسيس حزب جديد، ما اعتبره خبراء صفعة إضافية لـ"أردوغان" وحزب العدالة والتنمية، ومؤشر ينبئ بقرب زوال عهد السلطان.
في الوقت ذاته هاجم زعيم المعارضة التركية، رئيس حزب الشعب الجمهوري "كمال كليجدار أوغلو"، الرئيس التركي وسياسته الخارجية، وتساءل "كليجدار": "لماذا تورطنا في مستنقع الشرق الأوسط؟ ما الذي تفعله تركيا في بلدانه؟ لقد دخلنا هنا وهناك، لماذا كل هذا؟!.. "أردوغان" هو أحد رؤساء مشروع الشرق الأوسط الكبير، وصدرت له تعليمات فتحرك، لقد سألته: أي قوة خارجية دفعتك للدخول في مستنقع الشرق الأوسط؟ فلم يرد"!
وأكد "كليجدار": "وجود قوى خارجية تدفع "أردوغان" للتورط في خلافات وأزمات الشرق الأوسط، موضحا: "لم يكن لدينا مشكلة مع سورية، لم يكن لدينا مشكلة مع مصر، لقد أصبحت تركيا وحيدة ومعزولة في الشرق المتوسط"!