رسائل السيسي أمام قمة مجموعة السبع.. لا بديل عن الحوار المتواصل.. تحقيق المصالح المشتركة.. العمل سويا لإيجاد حلول للتحديات الأفريقية.. توافق الرؤى للشراكة المتجددة مع أفريقيا
شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي، في جلسة تعزيز الشراكة مع أفريقيا في مدينة بياريتز الفرنسية بصفته رئيس الاتحاد الأفريقي فضلا عن مشاركة ورئيس رواندا "بول كاجامي"، ورئيس السنغال "ماكي سال"، ورئيس جنوب أفريقيا "سيريل رامافوزا"، ورئيس بوركينا فاسو "روك كابوري"، بالإضافة إلى رئيس المفوضية الأفريقية "موسى فقيه" فضلا عن قادة مجموعة الدول السبع.
وألقى الرئيس السيسي كلمة أمام قمة شراكة مجموعة السبع وأفريقيا، باعتبار الرئيس السيسي رئيس الاتحاد الأفريقي، تتناول عرض الرؤية الأفريقية إزاء سبل تحقيق السلام والتنمية المستدامة، وترسيخ أسس الشراكة العادلة بين أفريقيا ودول مجموعة السبع في إطار المصالح المشتركة والمتبادلة.
وجاء نص كلمة الرئيس السيسي:
يسعدني أن أشارككم اليوم، ممثلًا عن الاتحاد الأفريقي، في فعاليات قمة مجموعة الدول السبع، تلبية للدعوة الكريمة من فخامة رئيس الجمهورية الفرنسية، لأنقل لكم طموحات شعوب قارتنا، في تحقيق السلام والتنمية المستدامة، وتطلعاتها لإرساء شراكة عادلة ومتواصلة بيننا، ترتكز على مبدأ المصلحة المشتركة، وتبنى على الجهود السابقة في ذلك الشأن.
إننا نعلم جميعًا جسامة التحديات التي تواجه الدول النامية، ومن ضمنها الدول الأفريقية، في إطار سعيها للارتقاء بمستوى معيشة شعوبها، وتحقيق التنمية المستدامة، وكذلك المعوقات أمام تحقيق تلك الأهداف، والتي تتمثل في الأزمات الدولية والإقليمية القائمة، وتسارع أحداثها وتشابكها، فلا بديل عن تحاورنا المتواصل حولها، وإشراكنا بشكل أكثر في معالجتها، بما يتمشى مع المصالح المشتركة والمتبادلة، وكذا مع قواعد الديمقراطية التي يجب أن تسود وتترسخ في العلاقات الدولية.
ومن هذا المنطلق، فإننا لسنا في حاجة لاستعراض التحديات التي تواجه قارتنا الأفريقية تفصيلًا، وإنما نحتاج للعمل سويًا لإيجاد حلول لها، وفق أولويات دول القارة، واستنادًا للعلاقة العضوية، بين تحقيق التنمية بكافة أبعادها من جهة، والحفاظ على الأمن والاستقرار من جهة أخرى.
وإذا كان ما تقدم يشكل المنظور العام للتحديات التي تواجه قارتنا، فإن الوضع في ليبيا من الجسامة والخطورة، بما يستوجب التطرق إليه بشكل خاص.
إن تفاقم الأوضاع في ليبيا وأثر ذلك على أمن واستقرار مواطنيها، بل وعلى دول الجوار، جراء التهديد الذي تشكله المنظمات الإرهابية، والسيولة الأمنية المتمثلة في انتشار الميليشيات المسلحة، يقتضي تضافر الجهود الدولية لوضع حد لهذه الأزمة وهذا التهديد، وبما يضمن سلامة الشعب الليبي الشقيق، ويحفظ له مقدراته وموارده.
إن الطريق للخروج من الأزمة في ليبيا معروف، ولا يحتاج سوى للإرادة السياسية وإخلاص النوايا، للبدء في عملية تسوية سياسية شاملة، تعالج كافة جوانب الأزمة، وفي القلب منها قضية استعادة الاستقرار، والقضاء على الإرهاب وفوضى الميليشيات، وإنهاء التدخلات الخارجية في ليبيا، وضمان عدالة توزيع موارد الدولة والشفافية في إنفاقها، واستكمال توحيد المؤسسات الليبية على النحو الوارد في الاتفاق السياسي الليبي.
واتصالا بذلك، فإن الحديث عن النهوض بأفريقيا، ينبغى أن يتأسس على إرادة جماعية، تستهدف تسوية أزمات القارة، فضلًا عن مكافحة الإرهاب بكافة أشكاله، لتأثيراته المدمرة على جميع الأصعدة، لاسيما على جهود التنمية، وهو ما يجب أن يستتبعه مساءلة حقيقية لداعميه ومموليه، جنبا إلى جنب مع الحفاظ على الدولة الوطنية ومؤسساتها، وكل ذلك من شأنه أن يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار، وينأى بالشباب عن التطرف والهجرة غير الشرعية، ليتسنى التركيز على وضع آليات فعالة، للقضاء على الفقر وخفض البطالة، ومكافحة الأمراض المتوطنة، والتصدى لظاهرة تغير المناخ.
وإذا كانت تلك التحديات تفرض علينا مسئولية التعاون لمواجهتها، فإن دولنا الأفريقية تمتلك، بنفس القدر، فرصًا واعدة وإمكانات متنوعة، تؤهلها لتكون شريكًا موثوقًا للمجتمع الدولي، فلدينا سوقًا كبيرًا وموارد بشرية غنية، وغيرها من العناصر الجاذبة، لعل أهمها جهود تطوير البنية التحتية الأفريقية، من خلال تنفيذ المشروعات القارية ومشروعات الطاقة بكافة صورها، بهدف تحقيق التكامل الإقليمي والاندماج القاري، وتتلاقى معها مساعي تحرير التجارة البينية، عبر تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، وخطوات تعزيز الدور الاقتصادي للقطاع الخاص.
إن تناولنا لأسس التنمية المستدامة لن يكون مكتملًا، دون التطرق لأولويات وجهود القارة لتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، وذلك إيمانًا بقدرة المرأة الأفريقية على الدفع قدمًا بمسيرتنا التنموية بمختلف أركانها.
ورغم ما تم إنجازه في هذا الإطار من واقع الإرادة السياسية والمجتمعية القوية، إلا أن النتائج المأمولة لن تتأتى دون توفير البيئة المواتية، من خلال توفير التمويل المنشود، والنفاذ إلى الأسواق والتكنولوجيا الحديثة، بما يسمح بإطلاق إمكانات المرأة الأفريقية عبر التعليم، وبناء القدرات، ويمكنها من الانخراط بفعالية في أسواق العمل على قدم المساواة مع أقرانها من الرجال، وتعزيز تواجدها في مجال ريادة الأعمال، والأخذ بزمام المبادرة في إقامة المشروعات.
وعلى نحو مكمل لجهود تمكين المرأة، فإن التحول الرقمي يعد من أهم محفزات النمو الاقتصادي، وبناء اقتصاديات تنافسية ومتنوعة، وإقامة مجتمعات حديثة داعمة للمعرفة والابتكار وجاذبة للاستثمارات، ولذلك نعول على شركائنا في المجموعة، ومؤسسات التمويل الدولية، لتعزيز قدرات القارة في هذا المجال، وصولًا لحلول مبتكرة للتحديات التي تواجهنا، وفى مقدمتها البطالة، خاصة في ظل الزيادة المستمرة في أعداد الشباب الأفريقي المنضم إلى سوق العمل سنويًا.
وفي سياق تكامل مقومات التنمية المستدامة، لا يفوتني أن أتطرق إلى أهمية مكافحة ظاهرة الفساد على الصعيد الدولي، لما تسببه تلك الظاهرة من استنزاف الموارد وهدر الجهود التنموية، وتأثيرها سلبًا على الكفاءة الاقتصادية وبيئة الاستثمار بشكل عام، وهو ما دفع قادة القارة لبذل جهود مكثفة لمواجهة تلك الآفة، وقد انعكس ذلك في عقد "المنتدى الأفريقي الأول لمكافحة الفساد"، الذي استضافته مدينة شرم الشيخ في يونيو 2019، معتمدًا عددًا من التوصيات ذات الصلة على مستوى القارة، التي ينبغي أن يتم استكمالها بأطر تُلزم البنوك التجارية الدولية، بإعادة الأرصدة الناجمة عن ممارسات غير مشروعة، والمودعة لديها، إلى الدول الأفريقية، من خلال تطبيق معايير عملية وواقعية، بدلًا من اشتراط إجراءات يستحيل الوفاء بها.
مثلما توافقت القارة على وضع إطار عام يحقق تنميتها، أؤكد مجددًا على مبدأ الحلول الأفريقية للمشكلات الأفريقية، وحيوية تعزيز بنية السلم والأمن القارية، مستثمرًا هذه المناسبة للإشارة إلى الأهمية الكبيرة لمنطقة الساحل والصحراء، والثروات والفرص المتاحة لديها، وكذلك التحديات التي تواجهها، ومن ثم فإنني أدعو المجتمع الدولي، لدعم جميع الجهود التي تقوم بها دول الساحل والصحراء، سواء على المستوى الوطني أو من خلال الاتحاد الأفريقي، عبر مقاربة شاملة تتعامل مع مختلف التحديات السياسية والأمنية والتنموية للمنطقة، وتعالج مسبباتها بشكل جذري.
وختامًا، وانطلاقًا من المصالح المشتركة بين قارتنا ومجموعتكم، فإنني أتطلع إلى الخروج بنتائج ملموسة، تعكس رؤيتنا المتوافق عليها لهذه الشراكة المتجددة بيننا، وبما يتكامل مع الجهد المبذول في أطر أخرى تجمعنا، وذلك عن طريق اتخاذ خطوات جادة متسقة مع خططنا الوطنية، وأجندة 2063 التي تحمل رؤية القارة لتحقيق تنميتها المستدامة، وعلى نحو يترابط مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030، ويبتعد عن أية أطروحات ترتب أعباءً إضافية لا طاقة لنا بها، أو تفرض مشروطيات سياسية.