الله اختارني!
ما زال الرئيس الأمريكى "ترامب" يدهشنا بما يقوله وينطق به!.. وآخر كلامه الذي يثير الدهشة هو الذي قال فيه إن الله اختاره لكى يخوض حرب أمريكا التجارية ضد الصين!.. فهكذا يسبغ "ترامب" على مواقفه وقراراته وسياساته طابعا دينيا، مثل الحكام الذين يتمسحون في الدين، ويصرون أنفسهم وكأنهم ينفذون إرادة الله عز وجل.
إن أمريكا منذ زمن طويل وهى تنهج فصلا للدين عن السياسة، بل وتدعو كل بلاد العالم أن تحذو حذوها، لكن ها هو "ترامب" يخلط الدين بالسياسة، ويسبغ على قراراته ومواقفه نوعا من القداسة، عندما يصور حربه التجارية ضد الصين وكأنه وحى جاءه من السماء!
وهنا لنا أن نتساءل بانزعاج حقيقى.. ما الفارق بين هذا الكلام الذي قاله "ترامب"، وبين ما يقوله قادة التنظيمات الإرهابية.. أليسوا هم أيضا يدعون انهم ينفذون إرادة الله، عندما يمارسون العنف ويقتلون ويدمرون ويخربون ويفجرون؟!
وسبب الانزعاج أنه لا يوجد فارق بين "ترامب" هنا وقادة التنظيمات المتطرفة دينيا.. لأن معنى ذلك أن أمريكا التي تخوض حربا إلهية تجاريا ضد الصين لن تخوض حربا حقيقية ضد الإرهاب والإرهابيين.. بل إن أمريكا قد تعود إلى انتهاج تمكين الجماعات الدينية من الحكم في بعض بلادنا إذا أتيح لها ذلك، على غرار ما فعلت من قبل حينما مكنت الإخوان من حكم مصر، وساعدت على دعمهم في تونس وليبيا.
ثم ألا يمكن أن نتفاجأ بقرارات وسياسات أمريكية تستهدف مصالحنا، يبررها "ترامب" بأنها تجسيد لإرادة الله، أو تنفيذا لتعاليمه؟!
يبدو أن أمريكا منذ أن خرجت منتصرة بعد الحرب العالمية الثانية لا تريد الكف عن استخدام الدين في تحقيق مصالحها والنيل من خصومها، مثلما استخدمت الدين لضرب الاتحاد السوفيتى، تحت شعار محاربة الإلحاد، ثم للإجهاز عليه في أفغانستان.. وايضًا مثلما استخدمت الدين لضرب فكرة القومية العربية، وبعدها للإجهاز على الدولة الوطنية فيما بعد.. وها هو "ترامب" يستخدم الدين للنيل من المنافس الأول لأمريكا اقتصاديا وهو الصين، لتعطيل تقدمها اقتصاديا على المستوى العالمى إلى المركز الأول.