مافيا القُبح في بر مصر.. مبانٍ مخالفة.. تكاتك بلا تراخيص.. وتلال قمامة تحاصر المدارس والمستشفيات.. 14 ألف ناطحة سحاب تتحدى القانون بالإسكندرية.. و4200 برج سكني مخالف في الشرقية
يولي الرئيس عبد الفتاح السيسي أهمية خاصة للجمال، ويرفض بشكل قاطع كل مظاهر القبح المنتشرة في شوارع مصر، لذلك كانت تصريحاته التي أكد فيها أنه رئيس ضد الفوضى، رسائل قوية لكل محافظي مصر، للقضاء في أسرع وقت على كل أشكال الفوضى التي يعاني منها المواطنون في مختلف محافظات الجمهورية.
تصريحات الرئيس حركت المياه الراكدة في ملف ظل لسنوات طويلة مهملا من المحليات بشكل ساهم في انتشار المبانى المخالفة والمناطق العشوائية، بالإضافة إلى فوضى المرور في شوارع مصر..وفى السطور التالية نرصد بعض مظاهر الفوضى في عدد من المحافظات.
الشرقية
لم تشهد محافظة من المحافظات المصرية مخالفات بناء بشكل كارثي كما شهدت "الشرقية"، حيث انتشرت المباني المخالفة في كل أحيائها ومدنها ومراكزها حتى أصبحت وكرا لمافيا الأبراج المخالفة الذين يأتون إليها من جميع أرجاء البلاد، خاصة في مناطق الزراعة وفيلات الجامعة والسلام والغشام الكائنة بنطاق قرية شيبة الزقازيق، والتي تحولت خلال فترة وجيزة إلى كتلة من الأبراج شاهقة الارتفاع، وأصبحت مخصصة للأغنياء، الأمر الذي أدى لخلق فوضى في تخطيط الميادين والطرق بها.
مصادر مطلعة أكدت أن هناك نحو 4200 برج سكنى على الأقل تم إنشاؤها بنطاق المحافظة على مساحة 126 ألف فدان تقريبا في الفترة من (2006 - 2014) بطرق غير مشروعة، وبالتواطؤ مع بعض مسئولي المحليات.
وخلال الأعوام الماضية، وفي عهد أكثر من محافظ، بَدَت الأجهزة المعنية بالمحافظة عاجزةً عن التصدى لكافة الملفات أو التقليل منها، واستمر محترفو البناء المخالف في بناء الأبراج وتصدير الأزمات، مما اضطر المسئولين بعد إحالة بعض الملفات مثل "الغشام" للنيابة العامة إلى الرضوخ، تفاديا لحدوث أزمات مع ضحايا الأبنية المخالفة.
الإسكندرية
الإسكندرية لا تزال تعانى من فوضى المباني المخالفة وإشغالات الطريق تضرب عروس المتوسط، على الرغم من تأكيدات المحافظ قنصوة، أن هناك مخططا تنفذه الأحياء والمحافظة لوقف تلك التعديات والفوضى.
كما لا تزال المحافظة بلا تخطيط عمراني منذ عام ٢٠٠٥، وهو الأمر الذي أدى لفوضى عارمة في البناء وتخطيط الميادين، خاصة غرب الإسكندرية.
١٤ ألف عقار سكني مخالف بالمدينة، بعضها أشبه بناطحات السحاب، طبقا لآخر إحصائية أعلنتها محافظة الإسكندرية العام الماضى، وتقدر بأكثر من ٧٠ ألف وحدة سكنية مخالفة للبناء، بينها أكثر من ٣ آلاف عقار خطر.
وعلى مستوى الشارع تحولت الميادين العامة بالإسكندرية لفوضى عارمة خاصة محطة مصر والمنشية والسبع بنات والعامرية والعجمي ومينا البصل والعوايد، وطبقا لمركز معلومات حي وسط فإن هناك أكثر من ٢٠٠ بائع متجول يحتلون ميدان محطة مصر رغم حملات الإزالة التي تكون بشكل يومي على هؤلاء الباعة، بالإضافة لعشرات المقاهي التي تحتل الأرصفة والشوارع.
فيما كشف المهندس حسن خير الله، رئيس لجنة التخطيط العمراني بمجلس النواب - عضو المجلس عن دائرة الدخيلة، عن توقف التخطيط العمراني للمدينة منذ عام ٢٠١٠، وهو الأمر الذي خلق حالة من الفوضى في تخطيط الميادين، وعمد مقاولو البناء المخالف إلى استغلال هذا الأمر.
وطالب خير الله بإقرار حيز عمراني جديد قائلا: "للعلم كان لدينا حيز عمراني حتى عام 2017 وتم اعتماده في 2008، وتم تحديثه في عام 2010، ولكن حتى عام 2018 ما زالت مناطق شاسعة في الإسكندرية لم تخطط، والمشروع كان يقضي بإضافة 18 ألف فدان إلى الحيز العمراني والسكاني، ويوقف خلق أي مناطق أو أسواق أو مشروعات عشوائية، ومن المتوقع أن يتم توفير 760 ألف فرصة عمل جديدة، وذلك مع الانتهاء من كافة مراحل المخطط".
بنى سويف
ولم تسلم محافظة بني سويف، من شيوع مظاهر الفوضى في شوارعها، وهنا أكثر من 50 سوقًا عشوائيًا أبرزها أسواق «زامبو وحوض الدلالة وبدرخان وعزبة بلبل وشارع الخضار ومحيي الدين» بمدينة بني سويف، وسوق إهناسيا الأسبوعي، فتلك الأسواق تقام تحت حماية من مافيا البلطجية التي تتحكم في تلك المناطق، ويقسمون الباكيات على الباعة مقابل إتاوات يومية، تصل لـ50 جنيها من البائع، وحماية حكومية من موظفي الإشغالات، يغضون الطرف على المخالفين والمتعدين على الشوارع والأرصفة مقابل عمولة يومية.
مخالفات الأسواق العشوائية لم تقتصر على تعديات الباعة على الأرصفة والشوارع والطرق الفرعية فقط، بل هناك مخالفات أكثر تزيد خطورتها عن خطورة التعديات، مثل سرقة التيار الكهربائى وانتشار البلطجة، وبيع منتجات غير صالحة، أو غير مرخص ببيعها، فضلًا عن التلوث البصري الناتج عن سوء مستوى النظافة بمناطق تلك الأسواق، والتلوث السمعي، نتيجة الألفاظ والعبارات المتداولة بين البائعين وبعضهم البعض.
أسواق «زامبو وحوض الدلالة وبدرخان وعزبة بلبل وشارع الخضار ومحيي الدين» بمدينة بني سويف، هي الأكثر فوضى وعشوائية بالمحافظة، لما تسببه من اختناق بشري ومروري، نتيجة افتراش الباعة الجائلين للميادين والشوارع والحارات، فتتكدس السيارات، ويختلط الحابل بالنابل، ويفشل المارة في تجاوز مناطق تلك الأسواق مترجلين، وبات حال المدينة سيئا للغاية بسبب انتشار الباعة الجائلين في الطرقات دون قيد من شرط أو نظام، فضلا عن انتشار الحشرات الضارة بين سكان هذه المناطق نتيجة تراكم مخلفات البضائع والقمامة، حيث مُنع الأهالي الراحة بمنازلهم بسبب ازدحام الشارع بالبائعين وجلوسهم أمام أبواب منازلهم، مع خروج أصواتهم العالية والمشاجرات اليومية، وخروج الألفاظ الجارحة والبذيئة من البائعين.
من جانبه أكد المستشار هانى عبد الجابر، محافظ بني سويف، أنه شكل لجنة لحصر تلك الأسواق، وإعداد تقارير شاملة عنها، من حيث أعدادها والبدائل المناسبة للسوق العشوائي، بحيث لا يكون بعيدًا عن المناطق السكنية، ومناسبًا للبائعين، وذلك ضمن خطة شاملة ننفذها لإعادة الوجه الحضاري والجمالي للميدان بعد إزالة كافة أشكال التعديات والإشغالات التي شوهت المنطقة، وكانت تسبب فوضى مرورية وزحاما شديدا.
الوادى الجديد
كام تعاني محافظة الوادي الجديد بشكل كبير من سوء التخطيط والفوضى التي ضربت عددا كبيرا من المناطق، وكان لها تأثير سلبي على القاطنين بالأحياء السكنية، سواء من خلال الإشغالات الخاصة بالباعة الجائلين الذين اكتظت بهم الشوارع والميادين بصورة كبيرة، أو العشوائيات والإهمال الذي ضرب الأحياء السكنية وحول حياة سكانها إلى جحيم، بالإضافة إلى مقالب القمامة العشوائية ومخازن الخردة التي اكتظت بها المدن وأصبحت خطرا على حياة المواطنين.
واتخذت المحافظة أولى الخطوات بإعلان الحرب على الفوضى والعشوائيات على خلفية تصريحات رئيس الجمهورية بالقضاء على الفوضى، من خلال التنسيق مع صندوق تطوير العشوائيات التابع لوزارة الإسكان، لإزالة كافة المباني غير الآمنة، خاصة التي تقع في المناطق الشرقية بواحة الخارجة، حيث توجد مئات المباني المشيدة بالطوب اللبن والتي تركها ملاكها منذ فترة كبيرة دون استغلال، وتحولت مع الوقت لملجأ للحيوانات الضالة ومقالب للقمامة، وأصبحت خطرا داهما يهدد المناطق المحيطة.
كما بدأت المحافظة أيضا في إنشاء أسواق حضارية للباعة الجائلين بكل مدينة، وذلك في خطة تستهدف القضاء على التجمعات العشوائية لهؤلاء الباعة وفتح الشوارع المغلقة وتحقيق السيولة المرورية، ومنعهم من التواجد أمام المصالح الحكومية والمدارس، كما أعلنت المحافظة الحرب على أصحاب مخازن الخردة الذين شيدوا مخازنهم داخل الكتل السكنية، وأجبرتهم على نقل مخازنهم خارج الأحياء السكنية، بالإضافة إلى أنه تم تشغيل أول مصنع لإعادة تدوير المخلفات الصلبة بهدف التخلص الآمن من القمامة وإعادة استخدامها مرة أخرى بدلا من حرقها داخل الصحراء.
المهندس أحمد حسين يوسف وكيل وزارة الإسكان بالوادي الجديد، أكد أن المحافظة بدأت في اتخاذ إجراءات فعلية لإعادة الانضباط، والقضاء على التخطيطات العشوائية القديمة بالمحافظة، لافتا إلى أن البداية كانت بإنشاء 3 أسواق حضارية للباعة الجائلين بتكلة 6 ملايين جنيه، كما تم إنشاء موقف للأقاليم بالطريق الدائري بمدينة الخارجة بتكلفة 5 ملايين جنيه، والذي يستهدف تنمية المنطقة الشرقية للمدينة، ومنع أكثر من 500 سيارة من الدخول للمدينة يوميا، ما يساهم تحقيق السيولة المرورية، كما تم رصد 84.6 مليون جنيه لتطوير العشوائيات.
وأوضح أنه سيتم تطوير منطقتي بلاط الإسلامية وموط القديمة غير الآمنتين، ومنطقة مشربية غيث والشيخ ميمون غير المخططة بمدينة الخارجة، بالإضافة إلى دعمهم بالمرافق اللازمة، كما تم طرح مصنعين لإدارة المخلفات الزراعية والصلبة أمام الاستثمار بهدف التخلص الآمن من هذه المخلفات، وضمان عدم حرقها، وتحقيق أقصى استفادة منها، كما يجري حاليا تنفيذ حملات إزالة لكافة الإشغالات والمخالفات التي ضربت الأحياء السكنية، المتمثلة في التعدى على الطريق العام والبناء المخالف، وتوصيل المرافق بدون تصريح من الجهات المختصة، بالإضافة إلى إلزام أصحاب العقارات بعدم توصيل المرافق للمباني إلا بعد طلاء واجهة المباني، كما تم البدء في تنفيذ خطة الطلاء الموحد للعقارات الخاصة والعامة داخل العاصمة والمدن الرئيسية بالمحافظة، تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية لإضفاء مظهر حضاري على المدن.
كفر الشيخ
عشوائية البناء ووضع اليد وعدم تطبيق القرارات أحد أهم أسباب الفوضى بمحافظة كفر الشيخ، والتي تعاقب عليها الكثير من المسئولين دون إيقاف تلك الفوضى والعشوائية، والمؤسف أيضا أن أغلب المخططات التفصيلية لم تظهر المنازل بوضوح، وهو ما تسبب في إعاقة المواطنين عن البناء القانوني وصعوبة الترخيص في كثير من الأحيان.
أهم أسباب الفوضى والعشوائيات ومخالفات البناء عدم وجود رقابة حقيقية من مجالس المدن وتحديدا الإدارات الهندسية، المتسببة في انتشار الكثير من المخالفات، حيث لم يتم تطبيق قانون البناء بشكل حقيقي وواقعي، وعندما يتم تطبيقه يكون بشكل انتقائى.
وأوضح "أ. ع"، أحد موظفي مجلس مدينة فوه بكفر الشيخ -طلب عدم ذكر اسمه- أنه، وبحسب القانون، تم إقرار بند الترخيص على شارع معلوم أو قائمة له مرافق، ولكن للأسف هذا الأمر يطبق خطأ، فمثلا أي منطقة تنشأ في امتدادات جديدة لا بد من وجود مرافق، ويشهر بالجريدة الرسمية، ولكن ما يحدث على أرض الواقع مخالف لذلك، وهو ما أحدث فوضى، فالترخيص قد يصدر لشارع غير مرفق بالكامل، والترخيص للمناطق لا يكون بشكل فردي، ولكن يخرج بمشروع تقسيم.
وكشف أن أحد المخالفين قام بإنشاء مصنع على أرض زراعية بطريق الشمس، صدر له قرارات إزالة، وفوجئ مجلس المدينة عند تنفيذ قرارات الإزالة أن المصنع دفع مقايسة مالية لشركة الكهرباء لتوصيل التيار الكهربائي للمصنع بالنظام الكودي، إذن كيف يتم إضفاء الشرعية من شركة حكومية كالكهرباء والمياه على مناطق مخالفة بحسب تقارير ومحاضر مجالس المدن.
وحاولت "فيتو" التواصل مع المهندسة رانيا الباز، مسئولة العشوائيات بديوان عام محافظة كفر الشيخ، الوقوف على أسباب تزايد المشكلة وكيفية مواجهتها، إلا أنها رفضت الإدلاء بأي تصريحات.