حكاية ووظيفة الباب الوهمي في مقابر الفراعنة
اعتقد المصريون القدماء في عصورهم الأولى أن المقبرة هي العالم السفلى التي يمضى المتوفى فيها حياة الخلود، وكانت المقبرة لا تحوى من عناصر الإنسان البشري سوى عنصرين فقط هما "الجثة المحنطة والكا أو الروح" وكانت "الكا"، التي تعني الروح، عنصرا غير مادى دائمة الحركة تقبع تارة في حجرة الدفن وتصعد أخرى إلى حجرات المزار المشيدة فوق سطح الأرض.
25 صورة ترصد ترميم زخارف قصر البارون وإزالة كتابات عبدة الشيطان من جدرانه
وخصص المصريون جزءا من جدران حجرة القرابين لتكون على هيئة باب مغلق كان قريبا جدا من البئر الموصلة إلى حجرة الدفن، حيث تسكن (الكا) مع الجثة، معتقدين أن هذا الباب الوهمى هو المنفذ للروح "الكا" إلى داخل المقبرة وإلى خارجها، حتى تتلقى القرابين التي يكدسها الأقرباء والأهل والأصدقاء فوق مائدة حجرية فوق الأرض أمام هذا الباب تسمى مائدة القرابين، ويرجع تاريخ هذه الأبواب الوهمية إلى عصر الأسرة الأولى.
وشكلت جوانب المقبرة الملكية المشيدة بالطوب اللبن على هيئة أبواب وهمية ثبتت أمامها في الأرض رءوس مصنوعة من الطين تمثل الحيوانات التي قدموها قرابين وتطورت الفكرة، فأصبح الباب الوهمى يمثل على جدران التابوت الخشبي أو الحجرى في الأسرات التالية، ثم نراه يمثل أهم جزء من حجرة القرابين منذ منتصف الأسرة الرابعة، ويصنع من أحسن أنواع الأحجار الجيرية، وأحيانا كان يصنع من الخشب ومكانه في الحائط الغربي لحجرة القرابين الرئيسية التي كانت عادة تلاصق الجزء الجنوبى من الجانب الشرقى للمصطبة.
واعتاد المصريون في الدولة القديمة ملء جنبات الباب الوهمى الذي يتكون من عتب علوى ثم من لوحة تبدو كما لو كانت تمثل نافذة تعلو الباب ثم عتب سفلى ثم من مصراعى الباب تعلوها أسطوانة أفقية تمثل حصيرا أو ستارا ملفوفا إذا ما أسدل أغلق الباب واذا مافتحت تكون منها ما يشبه الأسطوانة تحت العتب السفلى ثم يتكون بعد ذلك من خدى الباب الخارجين والداخلين واعتادوا ملء كل هذه المسطحات بعدد كبير من الصور التي تمثل صاحب المقبرة تارة جالسا وأمامه مائدة القرابين وحولها قائمة القرابين وتارة واقفا تحف به زوجته وأولاده وتكتب ألقابه المختلفة قبل أسمه ثم تكتب صيغة الدعاء الجنائزى الذي يجب على كل زائر أن ينطق به ليتعطف الملك وآلهة الدنيا الثانية في زيادة الخيرات التي يتمتع بها صاحب المقبرة في دنياه الثانية ويضمن بذلك مؤونه أبدية.
وكان الباب الوهمى من أهم عناصر المقبرة في الدولة القديمة إلا أن أهميته أخذت تتضاءل أمام انتشار عقيدة أوزيريس التي نقلت مكان الدنيا الثانية من المقبرة إلى العالم السفلي ونراه في عصر الدولة الوسطى مرسوما على جوانب التابوت فقط وبدأ المصري يستعيض عنه بلوحات من الحجر يقيمها داخل المقبرة وعلى جانبي مدخلها.
وفى عصر الدولة الحديثة كان الباب الوهمى يرسم في قليل من المقابر إلا أنه ظهر ثانية وعاد إلى أهميته القديمة في عصر الأسرة السادسة والعشرين (600 ق.م) ولا غرابة في ذلك فملوك هذه الأسرة أرادوا العودة إلى كل ما يتعلق بمظاهر الحضارة المصرية في عصرها القديم ومن أجل ذلك نطلق على هذا العصر اسم (عصر إحياء القديم) وكانت أهم صيغة تنقش على الباب الوهمي هي صيغة "حتب_دى_نسو" أي "القرابين التي يعطيها الملك" أو عطية مقدمة من الملك وتعرف باسم صيغة القرابين.