فرح السودان
ثمانية أشهر من النضال الشعبى الأبيض في السودان نجح الثوار في الوصول إلى صيغة توافق حول فترة انتقالية تستمر لتسعة وثلاثين شهرا تنتهي بسودان طبيعى وقادر على العيش الديمقراطي، دون مطبات أو محاولات انقلابية أو سيطرة طرف بعينه على الحكم مع إقصاء الآخرين عن المشهد، كما كان يحدث طوال تاريخ السودان بعد التحرر، مما يدفع البعض إلى تسمية ما حدث بأنه التحرر الثانى من قيود الديكتاتورية.
سقط البشير وقبله سقط كثيرون في السودان غير أن جميع من أزاحتهم التجربة من قبل كانوا بفعل انقلابات لم تضع الشعب في معادلتها مما جعلها تجارب هشة لم تقدم للبلاد سوى نماذج متباينة من حكم الديكتاتور أو حكم الفرد.. هذه المرة كان الحراك شعبيا خالصا، ولم تجد المؤسسة العسكرية بدًّا من الاستجابة للحراك الشعبي، حماية للبلاد من السقوط في مستنقع التقاتل وضياع البلاد إلى غير رجعة.
طوال الشهور الثمانية كان الحراك الشعبي السوداني حراكا إيجابيا ذكيا واعيا رفض كل الحلول الانقلابية على إرادة الشعب دون أن تزلق خطاه إلى عنف مرفوض، ولم يقدم قادة الحراك أي إشارة رافضة لإقصاء أحد.. أراد السودانيون بناء نظام تعددي يقوم على الصندوق طريقا للتغيير وتداول السلطة مثل كل تجارب الشعوب التي سلكت طريق الأمم المتقدمة.. من أجل ذلك كان يوم التوقيع على الاتفاق تحت عنوان "فرح السودان".
لا يزال الطريق إلى المنتهى الديمقراطي مفروشا بالتحديات.. تحديات داخلية وأخرى خارجية مما يفرض على الجميع في المحيط الإقليمي احترام تجربة الشعب السوداني ومساعدته في طريقه الجديد، وهو ما عبر عنه رئيس وزراء مصر ورئيس وزراء إثيوبيا في كلمتيهما أثناء حضور حفل التوقيع.
ربما تحمل الأيام القادمة حلما ورديا ليس للسودان فقط وإنما لكل الحالمين بالحرية وحماية بلادهم من الدوران في ظلام حكم الفرد وديكتاتورية انتهت صلاحيتها من معظم بلاد العالم بعد الاتفاق الضمني بين سكان الكرة الأرضية على أن حكم الشعوب لنفسها هو الحل الأمثل لفكرة تداول السلطة واستقرار الدول والعودة مرة أخرى للإسهام الحضاري.. تحية للشعب السوداني على صموده ومبروك للأمة العربية على نجاح نموذج قد يكون هو الهادي للمنطقة كلها.