رئيس التحرير
عصام كامل

زيارة خاصة لـ«مملكة العقارب».. شاب صعيدي يعيد اكتشاف صحاري «الواحات» بمشروع فريد من نوعه.. المزرعة على مساحة 200 فدان.. و8 ملايين دولار سعر لتر سم العقرب (صور)

فيتو

داخل عمق الصحراء المصرية وفى أقصى المنطقة الغربية بواحات الوادي الجديد، استطاع المهندس أحمد أبو السعود تحقيق حلمه الذي راوده لسنوات، ألا وهو تأسيس "مملكة العقرب" الخاصة به لإنتاج سم العقارب وأمصال السموم، لتتحول هذه المزرعة خلال 8 أشهر إلى أكبر مزرعة لإنتاج وتفريخ العقارب في مصر، على مساحة 200 فدان، ويقتحم بفكرته واحدا من أهم المجالات الطبية العالمية التي زاد عليها الطلب خلال الفترة الأخيرة.


الطريق
البداية كانت بفكرة أشبه بالمغامرة لدى الشاب أحمد أبو السعود أحد أبناء واحة الداخلة بمحافظة الوادي الجديد، والذي أكد خلال حديثه لـ«فيتو» أنه خريج كلية الهندسة قسم السيارات وعمل في مجال البترول لفترة، وسافر للسعودية ثم جاء إلى مصر لتحقيق حلمه، وتأسيس مملكة للعقارب يستطيع من خلالها استغلال الإمكانيات المتاحة لديه في الصحارى المصرية، لتحقيق أعلي عائد مادي من خلال تنفيذ أحد الأفكار غير التقليدية.

يحكي أبو السعود رحلته مع مملكة العقارب قائلا: جاءتني فكرة إقامة مزرعة لإنتاج العقرب منذ عدة سنوات، وهى فكرة بعيدة عن مجالي ودراستي تماما، إلا أنني من هواة البحث والمغامرة والذهاب وراء كل ما هو جديد وغير مألوف، وكنت في البداية لا أعلم كثيرا عن سم العقرب سوى أنه يستخدم كمصل لإنقاذ من لدغتهم العقارب، واستطعت تنمية معلوماتي بالبحث والاطلاع على الإنترنت والدخول على المواقع العربية والأجنبية، والتواصل مع أصحاب هذه المشاريع في الدول الأخرى لاكتساب الخبرة عن بعد.

التنفيذ
وتابع: "نجحت في الحصول على المعلومات الكافية حول هذا المشروع وكيفية تنفيذه، ووجدت أن أنسب مكان لإقامة المزرعة في بلدي بالواحات، حيث المناخ الجاف والبيئة الصحراوية الخصبة لتربية العقارب، فضلا عن توفر العقارب نفسها في أماكن متفرقة بالصحراء، والتي ستوفر علينا العناء والمشقة الكبيرة، فالأهم من المكان نفسه هو توفير العقارب التي سيتم استخراج السم منها".

ويستكمل أبو السعود حديثه: تقدمت بطلب لمحافظ الوادي الجديد للحصول على أرض للمشروع، وكانت المفاجأة موافقة وتحمس المحافظ للفكرة، مع إعطاء تسهيلات غير عادية دون اللجوء إلى طرح الأرض بالمزاد العلني، باعتبار الفكرة غير تقليدية وخارج الصندوق، وبالفعل حصلت على 200 فدان بهدف إقامة مشروع متكامل لإنتاج سم العقرب.

وأضاف: "هدفي كان بناء مشروع متكامل لتفريخ العقارب وإنتاج السم منها، دون أن تواجهني عواقب أنا وشركائي الذين انضموا لي في البداية، بعد أن اقتنعوا بفكرتي وبمغامرتي في الوقت الذي قام البعض بإحباطي ومحاولة إقناعي لتغيير الفكرة، خاصة أن المشروع غير معروف ولم ينفذ من قبل، ولا نستطيع تحمل خسائر كبيرة في البداية، وقمنا باستصلاح الأرض وزراعة نباتات طبية وعطرية وإنشاء صوب زراعية ومنحل لكي نوفر النحل الذي سيكون بمثابة غذاء للعقارب، فالعقارب تتغذى على النحل الميت، ونجحنا وتخطينا صعابا كبيرة بفضل الله تعالى أولا والتسهيلات الكبيرة التي وفرها محافظ الوادي الجديد خصوصا في إنهاء الإجراءات".

العقارب
واستكمل حديثه قائلا: "قمنا بزراعة الأرض وأنشأنا معملا لتفريخ واستخلاص سم العقارب، وبدأنا المهمة التالية، وهى جمع العقارب من خلال شراء أجهزة أشعة فوق البنفسجية لاصطياد العقارب ليلا من المناطق الصحراوية والحقول والبرك والمصارف المنتشرة حول المزارع، كما قمنا بالاتفاق مع عدد من الشباب المتواجدين بقرى مركز الداخلة لمعاونتنا في اصطياد العقارب وتجميعها وشرائها منهم للتسهيل علينا، حيث تم تدريبهم جيدا على كيفية الاصطياد، وتعريفهم بالأماكن التي تتواجد بها العقارب، وكيفية حفظها وتغذيتها لحين تجميعها منهم".

التكلفة
وعن تكلفة إقامة المشروع قال أبو السعود: "تكلفة الإنشاءات والتجهيزات واستصلاح جزء من الأرض وصلت حتى الآن لــ10 ملايين جنيه، وجار استكمال باقي مراحله تباعا، كما تم إنشاء معمل مجهز بالكامل لتربية وتفريخ العقارب، واستخلاص السم منها، والمعمل منقسم لشقين الأول مكان مخصص لاستخلاص وحفظ السموم، والثاني لتفريخ وتربية العقارب، والذي يحوى نحو 10 آلاف عقرب من مختلف الأحجام والأنواع".

وأوضح: "محافظة الوادي الجديد يوجد بها نحو خمسة أنواع من العقارب، أخطرها على الإطلاق النوع الصحراوي أخضر اللون، ويطلق عليه اللورس وهو متوفر بكثرة ويعيش في القرى وعلى ضفاف البرك والمصارف الزراعية ويتم اصطياده عن طريق الشباب بالقرى والذين قمنا بتوزيع أجهزة كشافات أشعة فوق البنفسجية عليهم لمعاونتنا في العمل، ومعامل التفريخ تشمل أماكن أيضا لتربية الديدان والصراصير والتي تستخدم كطعام للعقارب بجانب النحل الميت".

المخاطر
وعن المخاطر التي يتعرض لها في التعامل مع العقارب قال أبو السعود: "طباخ السم بيدوقه وتعرضت مرة وحيدة للدغ من هذه العقارب، وكانت تجربة صعبة للغاية فسم العقرب من أصعب السموم وأسرعها في الانتشار داخل الدم، وإذا كان الإنسان الذي تم لدغه مريضا بأمراض مزمنة فقد تقتله في الحال، وداخل المزرعة نتعامل بحرص وبحذر شديد مع هذه الكائنات السامة، أيضا بخلاف العقارب هناك مكان مخصص لتربية الطريشة، والتي ستدخل ضمن أنشطة عملنا خلال الفترة المقبلة، لاستخلاص السم منها، والطريشة الصحراوي من أخطر أنواع الثعابين والزواحف على وجه الأرض، فهي سريعة التخفي والهجوم ومفعول سمها سريع عقب لدغها للإنسان".

وعن طبيعة العمل داخل المملكة قال: "يعمل معنا داخل المزرعة 2 أطباء بيطريين هم المشرفون على عملية استخلاص السم ورعاية العقارب، بالإضافة إلى أن هناك 4 عمال خاصين بالمزرعة وبالمعمل، فضلا عن أن هناك 30 شابا تعاقدنا معهم بالقرى لاصطياد العقارب، ونسعى أيضا لزيادة العدد خلال الفترة المقبلة، عقب افتتاح المراحل الأخرى من المشروع، وأشار إلى أن "ذكر العقرب" يعيش لمدة 25 عاما، أما الأنثى فتموت بعد الولادة وتلد نحو من 40 لــ50 عقربا، ولكي نحصل على 1 سم من السم نقوم بحلب 3 آلاف عقرب، مضيفا أن العقرب يتم حلبه كل 15 لــ20 يوما، لافتا إلى أن عملية الحلب صعبة للغاية، ويقوم عليها الأطباء البيطريون العاملون معنا فقط بمعدات وأدوات خاصة.

ويتم حلب العقرب عن طريقه تعريضه لصدمة كهربائية خفيفة في الذيل، يتم من خلالها استخلاص السم ويتم وضعه في أمبولات زجاجية صغيرة ويتم حفظه في درجة حرارة 70 تحت الصفر"، وأضاف: "مشروع سم العقارب مربح في حال نجاحه وتشغليه بصورة صحيحة، فسعر السنتيمتر الواحد من السم يتراوح محليا حسب درجة النقاء والجودة من 8 لــ 20 ألف جنيه، أما في حال تمكننا من التصدير إلى الخارج بعد الحصول على الموافقات اللازمة، فالسعر يتراوح من 7 لــ8 آلاف دولار، وهو ما نسعى إليه خلال الفترة المقبلة، خاصة أن هناك أربع دول تعمل في مجال استيراد سم العقارب، ولدينا تواصل معها وهذه الدول هي: إنجلترا والهند وألمانيا وتركيا، فهو يدخل في التركيبات الدوائية وعلاج الأورام والسرطان وصناعة العديد من الأدوية الأخرى.

الدكتور ناجى محمد عوض مدير البيطري بالوادي الجديد، أكد أنه تم إدراج مشروع مملكة العقرب ضمن المشروعات التي تشرف عليها مديرية الطب البيطري ووزارة الزراعة، مشيرا إلى أن هناك توجيهات من اللواء محمد الزملوط محافظ الوادي الجديد برعاية وإنجاح هذا المشروع، وتقديم الدعم اللازم للقائمين عليه، خاصة أنه مشروع غير تقليدي، وسيساهم في فتح آفاق جديدة للاستثمار، كما أنه سيعيد اكتشاف الإمكانيات الخاصة بالواحات وسيضعها على الخريطة الاستثمارية، وأكد عوض أنه تم رفع تقارير للجهات المختصة عن المشروع، وعن النجاح الذي حققه حتى الآن خلال 8 أشهر منذ البدء في تنفيذه، وعن الاحتياجات المطلوبة سواء في الإجراءات أو التسهيلات كى يتمكن القائمون على المشروع من تصدير إنتاجهم إلى الخارج والاعتماد على أنفسهم.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية