رئيس التحرير
عصام كامل

شيكارة سماجة


كنت مهتما بالسؤال عنه هاتفيًا كل شهر، إلا أن كل مكالمة نقضي نصفها تقريبا في التبرير، لماذا لا أتصل به!ومهما قلت واعتذرت كونى مشغولا بظروف عملى وأسرتى، يصر هذا القريب "البعيد" على العتاب الشديد لأنه حسب كلامه، مقصرًا في حقه لا اهتم به، وأدى هذا بمرور الوقت إلى نفور جعلنى أكره السؤال عنه، بل وقد لا اتواصل معه تماما.


دخلت على العام تقريبًا ولا أعلم عن قريبي هذا أي شيء مخافة مكالمة قد تتسبب في تلف أعصابي، وأتحسب من صف اتهامات مجهز مسبقا، مدعمًا بكل عبارات الهجوم والتقصير واللوم، الذي يضعنى دائما في خانة الضجر.

صديق لأبي، أحب مهاتفته ومحادثته عبر التواصل الاجتماعى، كونه حكيما للغاية لا يعاتب ولا يشكو ولا يثقل على الآخرين، تتلخص مكالمته المبهجة في الدعاء لى ولأولادى بصلاح الحال، والتماس الأعذار دون النطق بأى حديث عن تقصير أو نسيان، وهو ما جعل حبل الود موصولا دون انقطاع منذ أعوام.

(تغافلوا عن الزلات؛ فجلَّ من لا يخطئ، ولا تكثروا العتاب؛ فإنه يثقل على النفس)، جملة استوقفتنى كثيرا حينما قرأتها عبر صفحة دار الإفتاء المصرية على "فيس بوك"، وقد حثت الناس على التغاضي عن الهفوات فيما بينهم، وعدم العتاب بكثرة إذ إنه يؤدى إلى التباغض والتباعد والنفور.

كنت أجلس في صالون الحلاقة أنتظر دوري، وعلا صوت أحدهم في عدة مكالمات هاتفية متتالية كان ترتيب الحوار فيها كالتالى: «الو.. ازيك.. كويس إنك لسه فاكرنى.. انت مش بتسأل على ليه.. طب أنا مش بسأل علشان ظروف الشغل والعيال، انت بقي إسال على.. لأ بجد أنا زعلان بس بقولك كده من العشم.. ولو مازعلتش مانبقاش قرايب.. سلام وخلى بالك مش هاتصل تانى إلا لما تتصل.. أما نشوف.. سلام».

كنت أدرك تماما رد فعل الطرف الآخر من استثقال هذه الدقائق المملة، فكل إنسان به ما يكفيه من الهموم والمشكلات، ودت حينها لو أخبرت الرجل أنه لا داع مطلقا للعتاب، لأنه يفضي إلى التباعد والنفور، وددت لو طلبت منه ألا يكون حجرًا في طريق علاقات إنسانية سمحة، مهمته الكونية فقط هي عرقلة بنى البشر في أي خطأ ولوم وتوتر.

هذا من عينة هؤلاء الذين يبادرونك بعد فترة غياب بكلمات من قبيل: «أنا زعلان منك ومش هاقول لك سبب زعلى، هاسيبك تعرف لوحدك»، وبعد الدخول في مهاترات وعملية مراجعة دقيقة لحسابات الذاكرة المتخمة بكافة مشكلات الحياة وصراعاتها، تجد السبب عبارة ملخصها «لأنك مش بتسأل على»، يتلفظها ولا يدور في خلده أنه منغمس في بحور من الرذالة الغامرة.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: (حرمت النار على كل سهل لين قريب من الناس) وإن كان مضمون الحديث أعم ويشمل معان أخرى أوسع من هذا الأمر، إلا أن المغزى الأساسي واحد، وهو أن الإنسان المتباسط اللين أسهل الناس وأيسرهم وأحبهم إلى القلوب، فلا يحمل الآخرين تبعات علاقة مؤذية أو احتمالية أذى اللوم والتقريع و«النقرزة» المستمرة، فلنلتمس الأعذار، لنكن لطفاء.
الجريدة الرسمية