حلم "البلتاجي"
بعد تولى الراحل العظيم الدكتور "ممدوح البلتاجي" وزارة السياحة كتبت مقالا قاسيا ضده، بمجلة أخبار السياحة التي ظلت تصدر برئاسة مجلس الإدارة للصديق الصحفى "السيد الدمرداش"، وفور صدور العدد اتصل بي الدكتور "البلتاجى"، وحددنا موعدا للتلاقي بمكتبه ببرج مصر للسياحة مقر الوزارة، وأتذكر أنني لم أر الدكتور "البلتاجي" غاضبا في حياته كما رأيته هذه المرة، حيث بادرنى بسؤال عصبى: هل تعتقد أني وزير للسياحة؟
أعترف أننى تلعثمت في الرد، وسرت فوضى ذهنية تسيطر على في الإجابة، فأنا في مقر وزارة السياحة، وهذا هو الوزير المسئول الذي يتساءل عن وظيفته الحقيقية.. بغضب شديد قال: هل أنا مسئول عن الرصيف المحتل بالباعة الجائلين؟ هل أنا المسئول عن نظرات المواطنين الثاقبة لسائحة ترتدى شورت؟ هل أنا المسئول عن سائق تاكسي فقد ضميره ينصب على السائح؟ هل أنا أتحكم في الخراتية ومطاردتهم للسائح؟ هل أنا مسئول عن تاجر التحف الجشع؟ هل أنا مسئول عن سائق الحافلة السياحية غير المنضبط ؟ هل أنا مسئول عن فوضي المرور؟ هل؟ هل؟ وهل؟
تعددت أسئلة الوزير في المناطق المحرمة التي لا نقترب منها عندما نناقش قضية السياحة، أدركت عمق رؤية الرجل لمشكلة السياحة، إنها الأخلاق.. أخلاق الناس وأخلاق المرور وضمير البشر وحرفية السائق وأمانة التاجر.. كيف لوزير واحد أن يحل هذه المعضلة.. ظل الدكتور "البلتاجي" يتحدث طوال تاريخه عن الفوائد التي تعود على الفلاح والصانع والتاجر من رواج السياحة، ليشعر الناس أن السياحة ليست فندقا وإنما هي الحياة بكل مافيها.
أقول ذلك بمناسبة الرؤية المبدعة لوزيرة السياحة واتفاقها مع وزارة التعليم لوضع منهج علمى عن أخلاقيات السياحة تحت عنوان "سفير السياحة".. لا بد أن يعرف شبابنا أن تعامله مع السائح هو نوع من تقديم الذات للآخرين.. هو نوع من الدبلوماسية التي تترك أثرها في النفوس..
هو استثمار يستفيد منه الفلاح والنجار والبناء والتاجر والحرفى والسائق وتستفيد منه البلاد.. ليس أموالا ولا عملة صعبة فقط، وإنما رسالة إنسانية تزرع الحب، وتجني ثمار النجاح في تقديم حضارتنا الحديثة، وأخلاقنا المصرية الصميمة.. تحية لوزارة السياحة التي حققت حلم "البلتاجى" الذي رحل وترك فينا أفكارا سباقة ننفذها اليوم!!