رئيس التحرير
عصام كامل

فرحانة السيناوية.. بطلة الألف عملية فدائية


في هدوء، مثلما هي عادة الأبطال، وبعيدًا عن أضواء الإعلام، وضجيج الشهرة، عاشت ورحلت أعظم مجاهدة سيناوية، قضت نصف عمرها تكافح العدو الإسرائيلي. المناضلة السيناوية، اسمها فرحانة حسين سلامة.. أو "أم داود"، كما كانت تحب أن يُطلق عليها، تُوفيت بعد أن تجاوز عمرها الـ 90 عامًا، حسب الأوراق الرسمية.


في بيت من الطين، أو "عريشة"، بمدينة الشيخ زويد بشمال سيناء، عاشت الأسطورة التي نفذت أكثر من ألف عملية فدائية، وكانت تهرب المتفجرات وتدخلها إلى سيناء بنفسها. "فرحانة"؛ واحدة من النساء السيناويات الثائرات، اعتبرها أهالي سيناء قائدة المقاومة الشعبية. كانت من الأحرار، كما كانت تصف نفسها، وكانت أولى عملياتها تفجير القطار الإسرائيلي على خط السكك الحديدية بالشيخ زويد، واستمرت عملياتها الفدائية بتفجير سيارات الجيب للإسرائيليين، بالإضافة إلى نقل الذخائر والرسائل من القاهرة إلى المجاهدين في سيناء، حيث كانت تعمل تاجرة قماش أيام استيلاء إسرائيل على سيناء.

وفي حوار لها على صفحات "المصري اليوم"، روت فرحانة أن أهالي سيناء قدموا بطولات عظيمة طوال تاريخهم النضالي، وأنها عاصرت فترة حكم الملك فاروق، وعندما احتلت إسرائيل جزءًا غاليًا من أرض الوطن، طلبت أن تنضم إلى "مجاهدي سيناء" وأن تتعاون مع جهاز المخابرات المصرية؛ بدافع من حبها للوطن.

البطلة "فرحانة حسين سلامة" نموذج للوطنية وقدوة حسنة للمرأة المصرية الأصيلة، فبعد العدوان الإسرائيلي الغادر على مصر في عام 1967، واحتلال سيناء والضفة الغربية وهضبة الجولان السورية، غادرت البطلة "فرحانة حسين سلامة" سيناء، وقصدت إمبابة بالجيزة، للعيش ومواصلة الكفاح وتربية أولادها.

وككل المصريين، حزنت البطلة فرحانة بسبب نكسة يونيو عام 1967، ولكنها كانت شديدة الإيمان بأن الجندي المصري لم يدخل المعركة، وأن إسرائيل حصلت على نصر لا تستحقه، ونالت مصر هزيمة لا تستحقها؛ ولذا بكت بحرقة عندما تابعت خطاب الرئيس جمال عبد الناصر يوم 9 يونيو عام 1967، وإعلانه تنحيه، فرفضت ذلك بشدة مع الشعب المصري.

في منطقة إمبابة التقت بابنة عمها، حيث طلبت "فرحانة" معرفة الطريق إلى خدمة الوطن، والجهاد ضد القوات الإسرائيلية الموجودة في سيناء، فأرشدتها ابنة العم، ومن لحظتها بدأ مشوار الكفاح الوطني للبطلة "فرحانة".

قام أبطال منظمة سيناء العربية التي أسسها جهاز المخابرات بتدريب بطلتنا على حمل القنابل وطرق تفجيرها وإشعال الفتيل وتفجير الديناميت، ونقل الرسائل والأوامر من القيادة إلى أبطال المنظمة. كانت التدريبات تجري بدقة شديدة، وفي سرية تامة؛ لدرجة أن البطلة "فرحانة" كانت لا تعرف زميلاتها المجاهدات حيث كان يتم إخفاء شخصية كل مجاهدة عن الأخرى.

لم يتوقع أحد أن تخرج "فرحانة"، السيدة البدوية، إلى ميدان المعركة؛ فالتقاليد والأعراف البدوية تمنع خروج المرأة أمام الرجال.
لكن بطلتنا قامت بزرع قنبلة في طريق قطار العريش قبيل لحظات من قدومه، وكان القطار محملًا بالبضائع والأسلحة والجنود الإسرائيليين، وفي دقائق معدودات تم تدمير القطار، وكانت هذه هي العملية الأولى للبطلة "فرحانة".

بعد ذلك توالت عمليات البطلة "فرحانة حسين سلامة"، فكانت تترقب سيارات الجنود الإسرائيليين المنتشرة في صحراء سيناء، وقبل قدوم السيارة كانت تقوم بإشعال فتيل القنبلة، وتتركها بسرعة أمام السيارة، وفي لحظات تتحول السيارة إلى قطع متناثرة.

ذات يوم كانت البطلة تحمل من القاهرة عددًا من القنابل لتسليمها إلى المجاهدين في سيناء، وقد خبأت القنابل بطريقة خاصة، وعندما استقلت القارب الذي ينقلها إلى الضفة الشرقية لقناة السويس، وكان معها في نفس القارب نخبة من زميلاتها، إذا بدورية إسرائيلية في مدخل مدينة العريش تقوم بالتفتيش، وهنا شعرت "فرحانة" أن تلك اللحظات ستكون الأخيرة في حياتها لأن الإسرائيليين سيكتشفون القنابل التي تخبئها، ولكن المفتشة الإسرائيلية قامت بتفتيشها تفتيشًا سطحيًّا، وأثناء التفتيش كانت "فرحانة" في قمة الهدوء والشجاعة، وحفظتها عناية الله.

وبعد هذه الواقعة تعودت "فرحانة" على المغامرة، وقامت بتهريب القنابل والرسائل عشرات المرات. منحها الرئيس الراحل "محمد أنور السادات" وسام الشجاعة من الدرجة الأولى ونوط الجمهورية.

وقال "شوقي سلامة"، ابن البطلة "فرحانة حسين سلامة": لم نعرف عن بطولات أمنا إلا بعد انتهاء معارك أكتوبر 1973، حيث كرمها الرئيس "السادات" كما كرمها أيضًا الفريق "أحمد بدوي".

أضاف شوقي: كانت أمي تغيب عن المنزل ونحن صغار لمدد طويلة قد تصل لأكثر من شهر، وعندما تعود كانت تقول لنا إنها تشتري قماشًا، وتسافر لبيعه في سيناء لكي توفر لنا أعباء الحياة، بعد أن انفصل عنها والدي، وصارت هي المسئولة عنا.

ويوم الإثنين 11 أغسطس 2014، 15 شوال 1435، صعدت روح البطلة الحاجة "فرحانة حسين"، شيخة المجاهدات السيناويات، وابنة الشيخ زويد، إلى بارئها، راضية مرضية، عن عمر يتجاوز التسعين عاما، وكانت أمنيتها قبل وفاتها زيارة بيت الله الحرام.

الجريدة الرسمية