بيل جيتس.. والدرس الذي يجب أن نتعلمه!
والسؤال الذي يثور بقوة بيننا: هل التفت رجال الأعمال وأغنياؤنا لما يقوم به الملياردير الأمريكي العبقري "بيل جيتس" صاحب مايكروسوفت العملاقة؛ فلا يزال الرجل مضرب الأمثال في أداء الرسالة الاجتماعية لرأس المال؛ ذلك أنه تبرع طواعية بمليارات الدولارات لأعمال الخير في بلاده..
ولم يتوقف عند حدود العلم الذي فتح من خلاله أمام البشرية عصر البرمجيات التي لا ندري إلى أي حدود سوف تصل بنا، بعد أن فتح الآفاق أمامنا لعالم السوشيال ميديا ومواقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك وتويتر وغيرهما)، والتي جعلت العالم قرية كونية صغيرة عند أطراف الأصابع، كما أتاحت للشعوب مجالًا أوسع تدير من خلاله حوارًا هادفًا ونقاشًا معمقًا حول شئونها العامة.. كما وفرت تلك التكنولوجيا للرؤساء منصة تواصل حقيقي بين الشعوب وقادتها، ولعل "ترامب" نموذج بارز في ذلك المضمار.
لقد اجتمعت إرادة "بيل جيتس" وأسرته على انتهاج قواعد أسرية صارمة لإنفاق ثروتهم الهائلة؛ ذلك أن "جيتس" قد فطن مبكرًا لحقيقة مهمة مفادها أن المال الكثير مفسدة مطلقة للأبناء؛ ومن ثم قرر الأب الفاضل ومعه الأم الذكية عدم إفساد تربية الأبناء بكثرة إغداق المال المشوب دائمًا بأصدقاء السوء، بل عمدوا إلى تربيتهم على القيم الصحيحة لاقتناء المال بالعمل والجهد الحقيقي دون غيرهما كطريق أو خيار وحيد لتوليد الثروة..
وبذلك غرس الوالدان الفاضلان قيم العصامية وتقديس العمل والإنتاج في نفوس أبنائهما، ليستكملوا ما بدآه من جهد عبقري ويبنوا عليه ويضيفوا إليه وحتى لا يغرقوا في شرور الأموال والضياع وعالم الملذات والمخدرات والفشل المحقق.
لقد حدد "جيتس" لأولاده مصروفًا يوميًا يكفي احتياجاتهم الضرورية ولا يزيد عما يصرفه أمثالهم من أبناء الطبقة الوسطى.. هذه هي الرسالة السامية.. وتلك هي القيم النبيلة التي نرجو أن يستلهمها أغنى أغنيائنا وأن يقوموا بمحاكاتها لتتشكل طبقة رأسمالية واعية جديدة، ليس من بين أولوياتها الهبش والنهب والتكويش وجمع الثروات من حلال ومن حرام كما يحلو للبعض أن يقترفوه بلا وازع من أخلاق أو من دين.
احترام المال وتوظيفه بصورة مثلى كتقديم مساعدات للمحتاجين، وتوليد فرص عمل للمتعطلين، والإسهام في مشروعات ذات نفع عام.. هذا هو الدرس الذي نحتاج للتأسي به حتى نتفادى فساد الرأسمالية المتوحشة، ونؤسس لرأسمالية وطنية جديدة تبني وتعمر وتشارك في بناء الأمم وإسعاد البشرية..
هذه هي المعادلة الصعبة التي حققها "بيل جيتس" الذي قدم نموذجا فذًا في الزهد في المال وبذله طواعية في أوجه النفع العام، وهو نموذج سوف يظل ماثلًا في ذاكرتنا لا يسبقه إلا الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف، الذي كان تاجرًا ثريًا تصدق في زمن النبي بنصف ماله، وقد مات رسول الله وهو عنه راضٍ.. رضى الله عن الصحابة أجمعين؟