رئيس التحرير
عصام كامل

"الجمهورية" أول صحيفة تصدرها ثورة يوليو!


صحفية "الجمهورية" هي أول جريدة يومية تصدرها ثورة يوليو، ورغم ما أريد لها في البدء أن تكون لسان حال الثورة إلا أنها كانت تهتم بقرائها، وكانت بالفعل صحفية معبرة عن الشعب وعن قضايا الأمة في ذلك الوقت.. وأيضًا أريد لها أن تكون صحيفة رأي في بدايتها ومن ثم احتلت المقالات مساحة كبيرة على صفحاتها، وتناولت باستفاضة قضايا إنسانية كالحرية والمساواة والديمقراطية والإخاء والتسامح ومواجهة الفساد بشتى صوره..


لكنها سرعان ما تجاوبت مع سنن التطور ومستجدات العصر ومتطلباته ولم تقتصر على هذا اللون الصحفي على أهميته، فتحولت كغيرها من بنات زمانها إلى صحافة الخبر الذي تربع على عرش الصحافة وقتها، وانفرد بها قبل بزوغ ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وصار عماد الصحافة القومية وأساس التحقيقات في المجلات الأسبوعية.

"الجمهورية" يممت وجهها شطر قرائها لتشبع نهمهم في معرفة ما يجري حولهم من أحداث متسارعة تتحكم في حاضرهم وتصنع مستقبلهم، ولم تقف في مسيرة تطورها عند حدود "الخبر" فقط بل قدمت لقارئها معلومات متنوعة ذات إيقاع سريع تفيده في حياته اليومية وتزيد معرفته بما يجري في العالم من حوله..

وهكذا انتقلت "الجمهورية" بقدرة مدهشة من جريدة للثورة إلى جريدة للشعب تدافع عن حقوقه وتتبنى قضاياه وتخاطب جمهورًا عريضًا في مساحته العددية والمكانية والحضارية؛ جمهورًا متنوعًا يجد ضالته المنشودة على صفحاتها وفي أبوابها المختلفة. ولم تشتهر الجمهورية أو تكسب شعبيتها من كونها صنيعة الثورة وإحدى منجزاتها فحسب (وهنا اتحدث عن صحافة الزمن الجميل الذي كان) بل عرفت بحسبانها صحيفة للشعب، تقدم خدمات متميزة لقرائها الذين أحسوا بفطرتهم الصافية إزاءها بأنها تجاوب صادق وصائب لكل ما يجول في نفوسهم من آمال وآلام وطموحات وأحلام..

وأنها ساعدهم الأيمن في نيل حقوقهم ودرء الظلم عنهم عبر التواصل الجاد مع المسئولين نيابة عنهم، وهو الدور الذي نهض به بامتياز خطها الساخن (139 جمهورية) الذي انفردت به على سائر الصحف ليس في مصر وحدها بل في العالم العربي كله؛ فمندوبوه لا يكلون ولا يملون في استقبال شكاوى الجمهور واستغاثاته يطوفون بها على المصالح والأجهزة الحكومية المختلفة، ويطرقون أبواب المسئولين والوزراء بحثًا عن حق تأخر عن صاحبه، أو دفعًا لمشقة قد لا يطيقها ذوو الحاجة..

وهم حين يفعلون ذلك يؤدون أول رسالة ل "الجمهورية" التي تقدم للناس فضلًا على قرائها ما يحتاجون إليه في أعمالهم ومعاملاتهم ورحلاتهم وأسفارهم. لقد اختطت "الجمهورية" منذ خرجت للنور في كنف الثورة خطًا تحريريًا متميزًا يخاطب فئات المجتمع كافة مع انحياز واضح للبسطاء منهم، بما تقدمه صفحاتها المتنوعة وملاحقها المتخصصة.

"الجمهورية" رغم أنها صدرت في أجواء صحفية شديدة التنافسية أثبتت كفاءتها، وانطلقت تؤدي رسالتها على مدى أكثر من نصف قرن، ترصد ما يجري حولها من أحداث على الصعيدين العربي والعالمي؛ ذلك أن الله قيض لها كوكبة من الصحفيين والكتاب العظام الذين ازدادت بهم شهرتها وذاع صيتها وعلا شأنها..

وتعاقب على رئاسة مجلس إدارتها وتحريرها نخبة متميزة وشخصيات ذوو شأن من رجال الثورة والسياسة والأدب والثقافة والصحافة، نذكر منهم الرئيس الراحل أنور السادات، حسين فهمي، جلال الدين الحمامصي، أحمد قاسم جودة، كامل الشناوي، صلاح سالم، إبراهيم نوار، إسماعيل الحبروك، طه حسين، موسى صبري، ناصر النشاشيبي، كمال الدين الحناوي، حلمي سلام، مصطفى بهجت بدوي، فتحي غانم، عبد المنعم الصاوي، محسن محمد، وسمير رجب..

هؤلاء هم رجال العصر الذهبي للجمهورية الذين ارتفعوا بها، ورفعوها لمصاف كبريات الصحف في مصر والعالم.

مسيرة "الجمهورية" لم تتوقف عند عطاء هؤلاء الأفذاذ الذين سلفت أسماؤهم بل أثرها حشد متميز من الكتاب والمختصين عبر مشوارها الطويل وخصوصًا في بداياتها الأولى.. ولا يتسع المقام هنا لحصرهم.. ولا أبالغ إذا قلت إن "الجمهورية" حققت طفرات ملموسة قفزت بتوزيعها لأرقام غير مسبوقة. وهنا نطرح السؤال.. متى تعود صحافة الزمن الجميل التي نفتقدها بقوة الآن!
الجريدة الرسمية