أرض النفاق
يبدو أن الروائي الراحل الكبير "يوسف السباعي"، حينما كتب روايته التي صارت فيما بعد فيلما سينمائيا قام بأداء بطولته الفنان الراحل "فؤاد المهندس" أراد من خلال هذه القصة تبني ضرورة وجود أرض النفاق، وأراد نفي وجود المدينة الفاضلة التي ينادي بها الفلاسفة، ولا تعدو كونها فكرة جميلة عن عالم غير واقعي تتسم بالجمال والأخلاق..
ويبدو أن الكاتب والروائي الكبير أدرك ما سينتج من أرض الأخلاق التي يتبناها ويأملها الجميع، من مشكلات ومآس، فأظهر ذلك في الرواية بصورة ساخرة، حيث تبدأ الرواية على لسان الراوي الذي صادف دكانا صغيرا تتوسطه لافتة مكتوبا عليها "تاجر أخلاق بالجملة والقطاعي"، فدفعه الفضول للدخول والتحدث مع البائع، ليكتشف أنه يبيع مساحيق تكسب من يتناولها أخلاقا حميدة..
وعرض عليه أن يجرب مسحوق الشجاعة ومدة مفعوله عشرة أيام، بعد تردد وتفكير أخذ الراوي المسحوق، وتناوله عندما عاد إلى البيت وهو ما زال يشك بأن ذلك البائع قد يكون عاقلا، ولكن بعد فترة قليلة تغيرت صفاته، وبدأ لا يسكت عن الخطأ وينتصر للضعيف، وروي لنا الكاتب والفيلم الأمور التي حدثت معه، عندما أصبح شجاعا بطريقة ساخرة لاذعة، حيث لم يحتمل الرجل الشجاعة لأكثر من يوم، فهرع إلى الحانوتي وطلب منه أن يعطيه مسحوقا آخر، فأعطاه مسحوق المروءة، وحصل معه نفس الشيء الذي حصل معه عندما شرب مسحوق الشجاعة..
ولكن هذه المرة أسوأ فأصبح رقيق القلب يحزن على المحتاجين ويعطيهم كل ما لديه، ويصدق الجميع حتى أنه خلع ملابسه ليعطيها لشاب فقير، وقد تعرض لجميع أنواع الخداع من الآخرين- وهو الأمر الذي نراه ونلمسه يوميا خصوصا مع أصحاب النوايا الحسنة والقلوب النقية- حتى يشك أهله بجنونه وقرروا أخذه للمستشفى فهرب من البيت، وذهب مرة أخرى إلى التاجر، وقرر أن يبقى عنده طوال العشرة أيام حتى يزول مفعول المروءة منه..
وفي الليل لاحظ الراوي كيسا موجودا في زاوية قصية ليكتشف بأنه كيس الأخلاق الذي لو شرب منه الناس سوف يتحلون بالأخلاق الحميدة، وسيتخلصون من نفاقهم وريائهم، ولكن التاجر حذره بأن الناس سيكونون وقتها على حقيقتهم وكرههم لبعضهم وكذبهم على بعض وستنتشر المشكلات، ويظهرون مشاعرهم الحقيقية لبعضهم البعض، وستسود كل الصور السلبية التي يخبأها المجتمع، وستظهر كل مساويه وعيوبه على السطح، وحينها لن يمكن تحمله، وسيسود القتل والدمار والتخريب في المجتمع، وهو الأمر الذي يمكن تجنبه من خلال أرض النفاق.