اليوم.. كلنا جزائريون
بفعل الرأسمالية المتوحشة أضحت كرة القدم واحدةً من مفردات ضياع المعنى الحقيقي للانتماء، وذلك تحت شعار الاحتراف؛ فالجندي فيها يلعب لمن يدفع أكثر وتتغير انتماءات الجماهير حسب المنافس المحلي، فقد تجد من يشجع فريقًا غريبًا عن بلاده ضد فريق وطني، ولا غضاضة لدى المشجع أن يعلن عن ذلك صراحة وبأعلى صوت بل ويحمل شارة الفريق الغريب ضد فريق منافس لفريقه رغم أنه فريق محلي.
أقول ذلك بمناسبة حضوري لقاء المنتخب الجزائري والمنتخب النيجيري.. شاهدت المباراة على مقهى بمنطقة الحسين إحدى علامات الهوية التي أثرت في محيطها العربي عبر أدب العظيم الراحل نجيب محفوظ، وأشهد أن معظم من كانوا على المقهى الملاصق لضريح الإمام الحسين كانوا من المصريين الذين انفعلوا لصالح الفريق الجزائري إلا شابة وشاب كانا من أنصار المنتخب النيجيري رغم أنهما مصريان عربيان.
ورغم حساسية المنافسة كلها حال كونها منافسة أفريقية تقام على أرض مصرية يجب أن نلتزم فيها بروح المضيف المرحب بكل ضيوفه من أشقائنا الأفارقة؛ فإني وجمهور غفير من رواد المقهى وجدنا أنفسنا ننفعل مع كل هجمة لصالح الفريق الجزائري فكما يقولون "الدم عمره ما يبقى ميه" إلا أن الشاب والشابة أعلنا عن نيتهما صراحة في تشجيع الفريق النيجيري دون خجل أو وجل وسط دهشة مني ومن بعض الحضور.
تذكرت كيف يشجع الزملكاوية فرقًا عربية تلعب ضد الأهلي وكيف يشجع الأهلاوية فرقًا أخرى أفريقية أو عربية تلعب ضد الزمالك.. قضية معقدة ومدهشة وغريبة وشاذة تغيرت فيها الولاءات والانتماءات بشكل مخيف.. واليوم يخوض الفريق الجزائري مباراة النهاية والتتويج ضد السنغال.. أراني جزائريَ الهوى والنزعة حتى لو كنت مضيفًا للجميع.. أرانى راجيًا ومتمنيًا فوز الجزائر مهما كان العتاب الأفريقي، حتى ومصر رئيس الاتحاد الأفريقي.
أتذكر صفحات التاريخ التليد في معارك التحرير وكيف كانت مصر هي قلب الجزائر وأعيد قراءة صفحات خالدة عن دور الجزائر الرائع في حرب أكتوبر المجيدة.. أحس دمي مختلطا بالدم الجزائري، وأشعر وكأني واحد من لاعبي الجزائر.. أراني فخورًا في حال فوز الجزائر.. راضيًا وسعيدًا لو أن الكأس سافرت إلى بلاد اختلطت دماؤنا بدماء أهلها في معارك الشرف والعرض والأرض.
لا أستطيع أن أفصل بين الدم الواحد واللغة الواحدة والقدر الواحد والتحديات المشتركة والأمة بكل ما فيها من تفاصيل وبين مباراة اليوم.. ليست كراهية للمنافس بالعكس فأنا من المعجبين بأداء الفريق السنغالي غير أنى أذوب عشقًا في بلدي الثاني الجزائر.. كونوا اليوم جزائريين ولا تكونوا غير ذلك.