رئيس التحرير
عصام كامل

أن تستبعد نفسك دائما من الأزمات !


جميعنا لا يتمنى في حياته، وخاصة مع النضج في العمر، أكثر من إيجاد علاقات متميزة، أن يكون قادرًا على إيصال أفكاره كما هي دون تشويش أو تشويه، لتكون خير معبر عنه، بتحضر ورُقيّ، يناسبان تصوراته تجاه الآخر.


ولكن هذا الحرص، لن يجعل الناس في تناغم دائم، نحن جزء هام من الطبيعة، وقوانينها ملهمة لنا؛ فالشمس تشرق صباحًا، وتغرب في المساء، والبيئات ليست مستقرة، فهي تتغير طوال الوقت، ليس فقط من خلال الدورات الكيميائية الحيوية للكربون والماء والنيتروجين، ولكن أيضًا بالتغيرات البشرية، التي تصاحب النمو السكاني، والابتكار التكنولوجي. وبالتالي واقع الأشياء أن الخلافات بين بني البشر، ستظهر حتما، وكل إنسان لا يعبد أفكاره وتصوراته ولا يؤمن بمعصوميتها يجب أن يكون على وعي تام بذلك.

الحل الأفضل دائما لتماسك العلاقات بكل مستوياتها، أن نتفق أو نتعارض باحترام، نحسن الظن في الخلاف حتى ولو لإشعار آخر. الخلافات الصحية تقودنا بلا شك، إلى علاقات أكثر انضباطية، وأفكار أفضل، ومزيد من الإنتاجية، بل وتجعل علاقاتنا بالآخر أقوى.

قد يكون من المغري للبعض، الاعتماد على نبرات وتصورات عدوانية في إدارة خلافاته مع الآخر، والميل لاستخدام أفكار مثالية ــــ إما أبيض وإما أسود، معي أو ضدي ــــ ما يضفي على المواقف نوعًا من التطرف والكراهية، ولكنها في النهاية لن تقود صاحبها، إلى أي نتيجة مقبولة له على المستوى الشخصي، بل النتائج غالبا ستسير عكس مصالحه تماما، وحتى ولو توهم غير ذلك!

من العقلانية إدارة الخلافات إن وجدت، بحد أدنى من الذكاء، تجاوز حرارة اللحظة، والوصول بكل الأطراف إلى نقطة محورية جديدة، ينسج سريعا خلايا أخرى مكان التي أتلفتها المواقف المتغيرة، وهذا لن يحدث إلا بحسن الاستماع، والصبر، وإعادة النقاش بهدوء في مواطن الخلاف، والوصول مع الآخر، لتصورات مشتركة باحترام ورُقيّ وصدق، والبحث عن قيم مشتركة، تساهم في ضبط الموقف وإعادة العلاقات لمداراتها الطبيعية، فكل منا لديه شخصية مختلفة عن غيره، ومزيج من السمات وأنماط التفكير والسلوكيات. وحتى نتعامل مع هذه الغابة من التشابكات، نحتاج إلى التواصل بوضوح، بل بأقصى قدر من الوضوح.

باختصار، استبعاد نفسك من المشكلة، قد يكون هو الأزمة ذاتها. كن طبيعيًا، ودع الواقع الحقيقي يأتي، وقتها فقط ستكون أكثر إقناعا، وأكثر راحة لنفسك وللناس جميعا.
الجريدة الرسمية