وزارة الداخلية في مواجهة الفوضى
لسنوات عديدة كانت إدارة الإعلام والعلاقات العامة بوزارة الداخلية واحدة من أهم إدارات التواصل بين الإعلام ونشاط وزارة الداخلية، وضمت طوال تاريخها نخبة من ضباط أكفاء يتابعون كل ما ينشر حول الأداء الأمني، سواء كان النشر داخل مصر أو خارجها، واستطاعت هذه الإدارة أن تبنى جسورا من الحوار بينها وبين المواطنين، عبر وسائل الإعلام بالرد والتحقيق والتدقيق في كل ما ينشر أو يذاع أو يعرض على وسائل الإعلام.
بعد ثورة يناير حدث أمر ما، وبعد عودة الأمن إلى الشارع حدثت أمور ما، اختفى دور هذه الإدارة، أو كاد.. إلا من إطلالات نادرة، ربما فرضتها ظروف الواقع الجديد، بعد ثورة شعبية، ثم اختطاف الدولة من قبل جماعة الإخوان الإرهابية، ثم عادت الأمور إلى ما يمكن أن نصفه بالوضع الطبيعي للأداء الأمني، خاصة وأن الوزارة اضطلعت بدورها الوطنى في التصدى لإرهاب أسود طال مناطق عديدة من البلاد، غير أن الإدارة المذكورة لم تعد بعد إلى ما كانت عليه من نشاط جعلها أولى إدارات إعلام الحكومة في التواصل مع الناس.
ومنذ أسبوعين كتبت في هذه المساحة حول ظاهرة الفوضى في الشارع المصرى، ويبدو أن الإدارة برئاسة اللواء خالد فوزى مساعد وزير الداخلية لقطاع الإعلام والعلاقات قد عادت مرة أخرى لإظهار الجهود التي تقوم بها الوزارة في هذا الشأن، حيث وصلنى مكتوب يتضمن أرقاما مفزعة حول مواجهة الوزارة لكافة أشكال الخروج على القانون، والفوضى التي عمت الشارع المصرى بشكل مخيف.
قامت الوزارة برفع أكثر من ٤٤ ألف حالة إزالة إدارية متنوعة، كما واجهت أكثر من ١٢٠٠ حالة إشغال طريق، وتحرير أكثر من ثمانية آلاف محضر إشغال طريق، وأكثر من ألف وخمسمائة محضر تلوث بيئة، وقرابة الألفين وخمسمائة محضر بائع متجول، وخمسمائة وخمسين محضر عدم حمل شهادة صحية، و٢١ محضر فض أختام، مع تأمين تنفيذ ١٣٢ قرار غلق إداري، وتكبيل أكثر من ٣٣ ألف سيارة للانتظار الخاطئ، وتحرير أكثر من ١١٦ ألف مخالفة مرورية وأرقام أخرى بالفعل مروعة.
هذه الجهود الجبارة يقف وراءها جيش من الضباط والأمناء والجنود، وغرف عمليات ورقابة، وتلقى شكاوى والاستجابة لها، وهي في مجملها تعد آخر مراحل المواجهة، التي يتحمل عبئها وزارة لديها واجب وطنى آخر أكثر أهمية، وهو واجبها في مواجهة شبح الإرهاب الأسود، أيضا تعبر هذه الأرقام عن حالة الخمول التي أصابت أجهزة أخرى في الدولة، بدءا من الإعلام الذي يتحمل مسئولية التوعية، وانتهاء بدور المحليات الغائب تماما.. في النهاية نترك الداخلية وحدها في مواجهة كل تقصير في إدارات وجهات أخرى.
المثير في الرد أنه لم يرد لنا عدد الأحكام النهائية التي قامت بتنفيذها وزارة الداخلية، باعتبار عدم تنفيذ الأحكام واحد من أهم مظاهر الفوضى، خاصة النماذج الصارخة، وقد تناولنا منها حالة الدكتور السيد البدوى رئيس حزب الوفد السابق ورجل الأعمال المعروف الذي صدرت ضده أحكام نهائية، ولا يزال يتنقل بحرية، وينعم في قصره المنيف بكمبوند الياسمين بالسادس من أكتوبر، بل ويشارك في المناسبات الاجتماعية، ويظهر على شاشات الفضائيات دون أن يتم القبض عليه تنفيذا للقانون.
وقضية تنفيذ الأحكام واحدة من أهم الإشكاليات التي من شأن إهمالها أن تسود لغة الغاب، فالذين لجأوا للقضاء أخذا بحقوقهم إذا فقدوا الأمل في تنفيذ الأحكام التي حصلوا عليها، فإن هذا يعنى فقدان الأمل في العدالة، وفقدان الأمل في العدالة يعنى سيادة لغة الغاب بين الناس، لأن اللجوء إلى الطرق القانونية في استعادة الحقوق، هو الطريق المتحضر الذي يحول دون الظلم الواقع على أصحاب الحقوق.