ألحان الوطن
تعلمنا منذ نعومة أظفارنا أن احترام الوطن، وكل ما يمت له بصلة من ثوابته الراسخة كتحية العلم والسلام الجمهوري، أمر حتمي الالتزام به، لما له من شجون وقيمة عظيمة في القلوب.
السلام الجمهوري لكل دولة هو رمز شموخها، وكبريائها، فهو مفتتح كل محفل، وصدارة أي مناسبة قومية أو غيرها، وأول ما تعلمنا نقشه في كراس الموسيقي بالمدرسة.
بلادي بلادي بلادي... لك حبي وفؤادي، نعم أنت الحب ولك الروح والفؤاد.
كنت أتابع مع أسرتي عرضًا بأحد المسارح القومية، ومن المعتاد بدء العرض بعزف السلام الجمهوري، وكما اعتدنا منذ الصغر فلا بد أن ينهض كل منا من مكانه وقوفا في صمت وانضباط والتزام، احتراما لألحان تُعزف في حب الوطن.
نهضت من فوري مع زوجتي وأولادي، والتفت ناظرا حولي في المسرح الممتلئ بالكبار والصغار والشباب، مع بداية العزف، عددت الواقفين مثلي، فلم أجدهم يتجاوزون ١٥ شخصا، أغلبهم ممن تخطوا الأربعين أو أكثر تقريبا، والتفت في سرعة خاطفة إلى الجالسين خلفي، مستغربا استمرار حكاويهم وثرثرتهم، وأشرت لهم بيدي للقيام، فطرق أحدهم بيده على رأسه قائلا : «كبر دماغك»!.
السلام يعزف، عدد قليل يقف احتراما، الكثير جالسا يلهو ويأكل ويثرثر، أو منشغلا في هاتفه المحمول، وانتظرت حالما انتهى العزف، وخاطبت صاحب جملة «كبر دماغك» هو ورفقته في هدوء: «ليه ما قمتوش؟»، فرد عليّ ساخرا: «معلش المرة الجاية هاقوم حاضر ماتزعلش».
موقف آخر تذكرته حين مشاهدتي مقطع فيديو لمباراة محلية بين أحد الأندية الكبرى ونادٍ آخر، وبدأ عزف السلام الجمهوري، ولكن جماهير هذا النادي الكبير كان لها رأي آخر في ترديد نشيد هذا النادي وقت عزف السلام، معلنين بهذا أنه وطنهم وأن سلامه هو قيمتهم!.
موقف آخر مشرف، على النقيض من هذه الغوغائية الصادمة، وجدته في إحدى الصور المنتشرة عبر موقع التواصل «فيس بوك»، لمجموعة من الجنود البواسل الذين تعرضوا لإصابات خطيرة أفقدتهم أرجلهم أو أيديهم، وحينما بدأ عزف السلام، تحاملوا على أنفسهم وعلى بتر أطرافهم ونهضوا في التزام صارم مؤدين التحية العسكرية، بين مرتكز على قدم صناعية، وبين من فقد نصف جسده الأسفل كاملا ويقف بالنصف الآخر على كرسيه المتحرك.
ينص القانون رقم (41 لسنة 2014) بشأن احترام العلم والنشيد والسلام الوطني، على عدة نصوص منها:
* أن العلم الوطني لجمهورية مصر العربية والنشيد والسلام الوطنيين رموز للدولة، يجب احترامها والتعامل معها بتوقير على النحو المبين بهذا القانون.
* أن السلام الوطني تعبير فني يؤكد مفهوم التضامن الاجتماعي، ويصدر رئيس الجمهورية قرارا بتحديد أوضاع أحوال عزفه مع مراعاة النظم والتقاليد المصرية والأعراف الدولية.
* أنه يجب الوقوف احترامًا عند عزف السلام الوطنى ويؤدي العسكريون التحية العسكرية على النحو الذي تنظمه اللوائح العسكرية، وتعمل أجهزة التعليم قبل الجامعي على نشر الثقافة المستفادة من عبارات النشيد القومي المصاحبة للسلام الوطني.
* أنه يحظر رفع أو عرض أو تداول العلم إن كان تالفًا أو مستهلكًا أو باهت الألوان أو بأي طريقة أخرى غير لائقة.
كم كنت فرحا باستطاعتي بث تلك القيمة العظيمة في وجدان أولادي، وكي لا أُتهم بالمثالية الزائدة، فهذا الأمر يعرف قيمته جيدًا، من هم بلا وطن أو هوية، يعرفه من تعلم قيمة الأرض فعشقها وتغلغلت في نفسه، من فقد جزءا غاليا من جسده أو أحدا من أهله فداء هذا التراب.
تحية العلم والسلام الوطني، هما عنوانا ورمزا الهوية الوطنية، والسيادة الكاملة غير المنقوصة، وتعبير رمزي عن الانتماء والولاء، وعشق الأرض والتراب، لنحاول فقط أن ننقذ ما يمكن إنقاذه قبل ضياع روح وقيمة الهوية الوطنية من صدور أولادنا.