"هيبة" الشام تجتاح إسرائيل
اتخذ الصراع العربي الإسرائيلي أشكال عدة، ولم يكن الفن من بينها، اللهم أن كان ثمة أعمال تتعلق بالجاسوسية أو تتناول الاحتلال في مضمونها.. لكن مع محاولات إسرائيل في الأشهر الأخيرة التقارب مع العرب، بدأ الاهتمام بالفنون والرياضة والإعلام والمؤثرين فيها، لاسيما في دول أبدت مرونة تجاه العلاقة مع إسرائيل.
وسط المناوشات الفنية والرياضية والإعلامية بين الإسرائيليين ورواد التواصل الاجتماعي في مصر والأردن ودول الخليج وفلسطين، بدا أن الاهتمام الإسرائيلي بكل من لبنان وسورية "سياسي بحت"، لأن دولتي الشام لهما حسابات أخرى بالنسبة لإسرائيل، فالتهديد بالحرب على لبنان قائم نتيجة ممارسات "حزب الله" ووضعه البلد تحت السيطرة الإيرانية، فضلا عن تدخله المباشر في الحرب السورية لصالح النظام بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني، ما جعل سورية أيضا في القبضة الإيرانية..
لذا بدأت إسرائيل بقصف مخازن أسلحة "حزب الله" و"الحرس الثوري الإيراني" في سورية لإجبارهما على مغادرة الشام وعدم السيطرة عليها، خصوصا بعد أن اعترف الرئيس "ترامب" بسيادة إسرائيل على "الجولان السوري المحتل" وضمها رسميا إلى خرائطها، ما فتح شهية إسرائيل بالتوسع في لبنان على حساب "الجنوب" المسيطر عليه "حزب الله".
سعت إسرائيل لفهم تحولات الشخصية الشامية في سورية ولبنان، وقدرة الشعبين على التعايش مع الأزمات الطاحنة، فالسوري تحمل تداعيات الحرب إن كان في الداخل، أو في بلدان النزوح واللجوء، ولم يفقد الأمل في العودة يوما إلى الشام عندما تستقر الأوضاع.
أما اللبناني فيكفيه أنه متعايش مع ضغوط وسيطرة ميليشيا حزب الله، وصبره على المشكلات السياسية ونظام المحاصصة، ثم مشكلة انقطاع الكهرباء اليومي التي لم تحل منذ عشرات السنين، تمكن من اكمال حياته بصورة طبيعية بعد أزمة النفايات، ورائحة الهواء الخانقة؟ ويتعايش مع أزمات صحية وبيروقراطية وسلسلة طويلة لا تنتهي من مشكلات حياتية بلا حل؟.
كما يهم إسرائيل اكتشاف بعض خفايا وممارسات مليشيا "حزب الله" في تهريب السلاح الإيراني وتجارة المخدرات وتبييض الأموال، التي تمكنه من البذخ على عناصره وأسرهم وهو الذي اعترف صراحة أن إيران تموله من الألف إلى الياء.
لكل ما سبق ذكره وجدت إسرائيل ضالتها في الدراما الشامية "الهيبة" وهي تأليف وإخراج سوري، وبطولة سورية لبنانية مشتركة نفذ منها بنجاح 3 أجزاء، تدور أحداثها في قرية لبنانية صغيرة تُدعى "الهيبة"، غير موجودة في الواقع، يسيطر عليها "جبل شيخ الجبل" ويجسده الفنان تيم حسن، هو يقود عشيرة تهرّب السلاح ويتاجر في الممنوعات والمخدرات، ووسط الأكشن وحياة العصابات، يعرض "الهيبة" الجانب الإنساني للعصابة، فـ "جبل" تاجر السلاح والمخدرات، يوفر الحماية والحياة الكريمة لأبناء قريته، ويحرص على رضا والدته ولا يخالف أمرها، ويعيش قصة حب معقدة مثل جميع البشر، وفي الوقت نفسه يتعامل مع صراعات عائلية".
"الهيبة" بدأت عرضه شبكة "نتفليكس" الأمريكية مترجما إلى العبرية، فأصبح في الأيام الأخيرة العمل الأكثر بحثًا ومتابعةً في إسرائيل!.
ظاهرة "الهيبة" دعت قناة إسرائيلية إلى طرح السؤال "ليرفع إصبعه من يتابع مسلسل "الهيبة" وليقل ما سبب كل هذه الضجة؟"، فقد أظهرت نتائج Google Trends، اهتمام الإسرائيليين البالغ بالعمل، حتى أنه سُجّل أخيرا زيادة بنسبة 1100% فيما يخصّ كلمات البحث عنه باللغة العبرية، متقدّمًا على مسلسلات "صراع العروش، يوم الاستقلال، وعيد الأسابيع".
وأشارت القناة إلى أن البحث عن "الهيبة" باللغة العبرية في الدراسة المقصودة في "إسرائيل"، اقتصرت على المستوطنين.. صحيح أنه يعيش في الأرض المحتلة العام 1948 مليون ونصف مليون فلسطيني، لكنّهم غير مشمولين فيما أوردته Google Trends، لأن فلسطينيي العام 48 ليسوا بحاجة للبحث عنه، ما دامت القنوات التليفزيونية العربية تعرضه فضائيا في رمضان، وهناك عشرات المواقع العربية تتيح جميع حلقات "الهيبة" بأجزائه الثلاثة على الإنترنت مجانا، وليست مدفوعة مثل "نتفليكس" التي تعرضه مترجما إلى العبرية.
كما أظهرت خارطة الباحثين عن "الهيبة" أن ثمة علاقة بين القرب الجغرافي من لبنان وارتفاع أعداد مشاهدي العمل.. فكان مستوطنو الجليل الأعلى هم الأكثر بحثًا تلاهم مستوطنو حيفا، ثم تل أبيب، مرورًا بالقدس ونهايةً بصحراء النقب.
بخلاف الاهتمام بكل ما يتعلق بالحياة في دول الشام، رأت القناة الإسرائيلية أن مزج "الهيبة" بين الدراما والأكشن اثار الإسرائيليين، فلديهم مفردات حياة تتقاطع مع "الهيبة"؛ هناك عصابات وشبكات مافيا متعددة الجذور قسّمت تل أبيب بينها بالمحاصصة، تبتز التجار وأصحاب المحال، مقابل الحماية وعدم التعرض لهم، وهناك جرائم خطف، تجارة سلاح، ترويج المخدرات، تبييض أموال، والقتل مقابل المال، وغيرها الكثير.
اجتاح "الهيبة" إسرائيل وتفوق على الأعمال الأمريكية والإسرائيلية، فهل يأتي اليوم الذي يتمكن فيه العرب من تحرير الأراضي المحتلة؟!