رئيس التحرير
عصام كامل

الأزمات المالية تعصف بثالث أكبر اقتصاد فى منطقة اليورو..الاحتجاجات والمظاهرات الرافضة للبطالة والتقشف الحكومى تجتاح إيطاليا .. 50 %من الشباب يرغبون في مغادرة البلاد للهروب من الفقر

مظاهرات رافضة للبطالة
مظاهرات رافضة للبطالة بايطاليا-صورةأرشيفية

تعيش إيطاليا هذه الأيام أجواء مضطربة في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي تعيشها البلاد وعدم رضا المواطنين عن سياسات الحكومة الائتلافية لمواجهة هذه الأزمة.


وجاءت الاحتجاجات التي شهدتها البلاد خلال الأيام القليلة الماضية لتبرز حالة الاستياء التي تعم البلاد جراء ارتفاع معدلات البطالة ورفض الإجراءات التقشفية التي تتبعها الحكومة ، فقد خرج الآلاف إلى شوارع العاصمة الإيطالية روما يلوحون بالأعلام الحمراء ويرفعون شعارات "لا يمكننا أن ننتظر أكثر من هذا" و"نحتاج إلى المال لكي نعيش" وذلك احتجاجًا على الأوضاع المعيشية المتدنية التي أصبح يواجهها المواطنون، وللمطالبة بخلق فرص عمل جديدة للمساعدة في إخراج البلاد من حالة الركود التي تعيشها.

وانتقد المتظاهرون السياسات الاقتصادية للحكومة الائتلافية الجديدة برئاسة أنريكو ليتا، والتي تركز بالأساس على إصلاح الضريبة العقارية ولم تبد حتى الآن التزامًا تجاه تنفيذ وعودها الخاصة بخلق وظائف جديدة لمواجهة الارتفاع الهائل في معدلات البطالة، بحسب تقرير لمركز أبحاث ودراسات الشرق الأوسط بالقاهرة.

وكانت إيطاليا قد شهدت خلال الأشهر الماضية فترة من عدم الاستقرار السياسي عقب الانتخابات البرلمانية التي أجريت في فبراير الماضي ولم يفز فيها أي حزب بالأغلبية اللازمة مما اضطر الرئيس جورجو نابوليتانو، بعد شهرين من الانقسامات والفراغ السياسي، إلى تشكيل حكومة ائتلاف برئاسة الديموقراطي إنريكو ليتا، وتضم الحزب الديمقراطي اليساري، وشعب الحرية اليميني الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلسكوني، إلى جانب حزب القائمة المدنية.

ولم يبد المراقبون تفاؤلاً كبيرًا إزاء هذه الحكومة الجديدة وقدرتها على مواجهة التحديات الاقتصادية الصعبة التي تنتظرها وذلك للعديد من الأسباب أولها أن هذه الحكومة تضم حزبين مختلفين بشكل جذري سواء من الناحية الفكرية أو من حيث رؤيتهما لحل المشكلات السياسية والاقتصادية للدولة.

كما أن هذه الحكومة لم تضع لها برنامجًا واضح المعالم منذ بداية تشكيلها وهو ما يرجح عدم استمرارها لفترة طويلة وعدم قدرتها على تحقيق إنجاز ملحوظ على صعيد المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد.

وقد عاشت البلاد هذه الحالة من عدم الاستقرار السياسي في ظل ظروف اقتصادية متفاقمة، فهي تواجه أطول فترة ركود اقتصادي منذ 20 عامًا. 

كما سجل الدين العام للبلاد رقمًا قياسيًا جديدًا وفاق 2 مليار يورو، وهو بذلك ارتفع إلى قرابة 130% من الناتج المحلي الإجمالي رغم خفض التكاليف وزيادة الضرائب.

وباتت البطالة مشكلة 11.6 بالمئة من الأيدي العاملة وأكثر من ثلث الشباب ، ووصل عدد العاطلين عن العمل نحو ثلاثة ملايين شخص. وفي هذا السياق أظهر استطلاع للرأي أجرى خلال اليومين الماضيين أن نصف الإيطاليين تقريبًا- الذين يقل عمرهم عن 40 عامًا، مستعدون لمغادرة البلاد بحثاً عن فرص عمل، بينما يعتقد 73 % أنه "لا مستقبل" لهم داخل إيطاليا، في حين يبدي 49 % من الشباب العاطلين استعدادهم للعمل بتنظيف الشوارع.

وأظهرت الإحصاءات تزايد عدد الإيطاليين العاجزين عن توفير نفقات المعيشة لأنفسهم بالقدر الذي يفي بالتزامتهم الشهرية ، علاوة على افتقارهم للدخل الذي يكفل لهم تغطية مصروفاتهم الضرورية كل شهر. وهناك أكثر من 4 ملايين إيطالي تنطبق عليهم تلك الحالة من الاحتياج ، وهو ما يمثل نسبة 17 % من العائلات في إيطاليا.

كما أوضحت الإحصاءات أن 11 مليون أسرة تخشى اللجوء إلى خفض مستوى معيشتها، إلى جانب عجز 14 مليون إيطالي عن توفير مدخرات تساعدهم في وقت الأزمات، إضافة إلى أكثر من 13 مليونًا ليس لديهم ما يواجهون به أي ضائقة مالية غير متوقعة.

ولم تقتصر أضرار الأزمة الاقتصادية على الإيطاليين فقط بل امتدت لتشمل المهاجرين الذين يعيشون في البلاد وفقدوا مناصبهم وأعمالهم حيث ارتفعت نسبة البطالة بينهم بمعدلات هائلة بعد أن كانوا يشكلون موردًا مهمًا للدخل الإجمالي للدولة. ونتيجة لذلك بدأ الكثيرون منهم في التفكير في العودة إلى بلادهم وبدأ بعضهم بالفعل في إرسال زوجاتهم وأبنائهم إلى وطنهم تمهيدا لعودتهم النهائية.

من ناحية أخرى كانت وكالة فيتش قد خفضت في مارس الماضي التصنيف الإئتماني لإيطاليا من سلبي إلى "أ.أ.أ" إيجابي وذلك بعد الانتخابات التشريعية غير الحاسمة، كما توقعت الوكالة تراجع النمو الاقتصادي الإيطالي هذا العام من2.4% إلى1.8 %.

في الوقت ذاته كشف تقرير لاتحاد غرف التجارة في إيطاليا أن نحو ألف شركة أغلقت يوميا عام 2012، في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية في البلاد.

ويعكس المشهد السابق مدى حدة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، وهو الأمر الذي ساهم في ارتفاع حالة التشاؤم والتوتر بين المواطنين ، فضلاً عن تزايد حالات الانتحار بين اليائسين منهم في الآونة الأخيرة حيث إن عدد عمليات الانتحار المرتبطة بعوامل اقتصادية، ارتفع بنسبة تراوح بين 20 و30% في السنوات الأربع الماضية.

ويكاد لا يمر أسبوع من دون أن تنشر وسائل إعلام إيطالية أخبارًا عن مواطنين انتحروا بسبب البطالة أو الإفلاس، كما أن استخدام الأدوية المضادة للاكتئاب ارتفع أيضًا بـ4 أضعاف بين عامي 2000 و2011.

الجريدة الرسمية