رئيس التحرير
عصام كامل

مبارك والجماعة.. وأزمة السكن


قضت سياسات حكومات ما بعد الانفتاح الاقتصادي على البسطاء بمواجهة أزمات مجتمعية واقتصادية مفتعلة بينها السكن، فتراجع دورها فى البناء لمحدودي الدخل وعديمي الأهلية، وانسحبت من السوق العقارية لصالح القطاع الخاص الربحي، ليتحول السكن من حق إلى سلعة.


واتجهت سياسات القطاع الخاص نحو الاهتمام بالبناء للشرائح فوق المتوسطة والعليا، لتحضر نحو 3 ملايين وحدة مغلقة بأيديهم تماثل عدد ما يحتاجه محدودو الدخل للاستقرار، في ظل تزايد عقود زواج سنوية بمعدلات تصل 550 ألف عقد سنويا، حسب دراسات أنجزتها مؤسسات مدنية أبرزها المركز المصري لحقوق السكن.

وخلال العقدين الأخيرين تحولت وزارة الإسكان إلى تاجر صريح لأراضي الدولة، وأصبحت مهمتها الأولى وضع مخططات المدن وتوزيع أراضيها بالتخصيص ثم القرعة والمزادات على المحظوظين والشركات، إلا أن ملف إسكان محدودي الدخل انتهى إلى أيدى أصحاب رءوس الأموال بقرارات سيادية، حينما خرج البرنامج الانتخابي لمبارك عام 2005 حاملا بشرى زائفة للمواطنين ببناء 500 ألف وحدة سكنية خلال 6 سنوات، وهو الرقم المستحيل في القضاء على أزمة السكن المتجددة.

الأخطر فى البرنامج أنه اتجه بتنفيذه نحو رجال أعمال محظوظين حصلوا على امتيازات أخرى مقابل المشاركة في إنجاز أحلام الرئيس، ليستثمر هؤلاء فى وحدات 63 مترا ويرتفعوا بأسعارها من 55 ألف جنيه كان البسطاء يسددونها بالتقسيط على أكثر من 20 سنة، إلى نحو 140 ألف جنيه تدفع نقدا في مشروعات مميزة "كمبوند" على أطراف المدن الجديدة، ويصل سعر الوحدة 190 ألف جنيه "نصف تشطيب" حال تمويل شرائها خلال سنوات قليلة عبر شركات تمويل عقاري تحصل على فائدة تصل 18 %، بعد انسحاب البنوك التي كانت تحصل على فائدة لا تزيد على 6 %.

حتى مشروع "ابنى بيتك" جعلت الحكومة من شبابه فريسة لأرباع مقاولي البناء، فجرى توزيع 94 ألف قطعة أرض مساحتها 150 مترا على كل شاب، يبنى منها 63 مترا فقط بطريقته الخاصة في صحراوات خارج سيطرة القانون والدولة.

وأصبحت الفئات الأولى بالرعاية وسكان عزب الصفيح والمناطق الخطرة خارج حسابات الحكومة، حتى مع وجود المشروعات المخصصة لهم والتي أفسدت حقوقهم فيها لجان حصر المستحقين، فذهبت وحداتها لمماليك الفساد الجدد وحيتانه الصغار، فيما أُجبر سكان مناطق مستهدفة بالإزالة والبيع لمحظوظين على الهجرة إلى مدن جديدة لا تزيد فرص الحياة داخلها على أربعة جدران، فلا مجتمع يسمح لهم بتدبير تكاليف السكن وتحملها، لتظل المدن الجديدة طاردة لكثيرين.

أضف إلى الأزمة افتكاسة قانون الإيجارات الجديد الذي حول المواطنين إلى عديمي الأهلية متجولين بين مجتمع وآخر حسب تقلبات قدرتهم على الدفع، وعدم تعديل قانون الإيجارات القديم بشكل عادل يعيد لمُلاك حقوقهم في تقييم أفضل لعقاراتهم.

ولأن القاهرة الكبرى اكتظت بملايين السكان مع اهتمام الدولة بتركيز أغلب استثماراتها داخل الإقليم، لم تتوقف الهجرة الداخلية إليها لتتفاقم أزماتها، وغابت كثيرا المشروعات الداعمة لبقاء المواطنين البسطاء داخل المدن الجديدة مقابل تهالك المرافق داخل مناطق الإقليم القديم، فلا تفكير فى إنشاء فروع كبرى لجامعات "أهلية" كالقاهرة وعين شمس وحلوان بها، ولا توسعات في إنشاء المدارس "العامة" وبناء مستعمرات عمالية متكاملة حول المناطق الصناعية تشجع عمالها على الاستقرار هناك، مع التوسع فى مشروعات الإسكان التعاوني، ولا خطوط مواصلات عامة مدعمة مستمرة، ولا حضور أمني قوي مع اعتبار الشرطي هناك يقضي عقوبة "التغريب".

لا أتصور أن حكومة جماعة الإخوان ذات التوجه الرأسمالي التجاري تسعى إلى تصحيح سياسات الإسكان التي اتبعتها حكومات مبارك أو التنازل عنها، بالنظر إلى برنامجها وقراءة في أولوياتها التي تطرح فكرة التسعير الحر لكل شيء، دون تمييز بين الحقوق واجبة الصون والخدمات والسلع مدفوعة الأجر والثمن، ربما البدء في طرح أراض جديدة بنظام المزادات يؤكد أن "الإسكان" في مصر ستظل وزارة أراضي، وأن السكن سيظل "سلعة" لا يقدر على ثمنها البسطاء في غياب مشروع وطني لرعايتهم ودستور يحمي حقوقهم، ولنا في ذلك رؤية نطرحها لاحقا.

الجريدة الرسمية