رئيس التحرير
عصام كامل

وتخلينا عن مكارم الأخلاق.. وهذه كانت النتيجة! (1)


مكارم الأخلاق هي مدارات الأديان كلها، وما أبلغ قول رسول الإسلام "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، فالدين المعاملة، وما انتشر الإسلام إلا بحسن الخلق وحسن المعاملة، ولولا الأخلاق الحميدة التي دعا إليها الإسلام لتحولت مجتمعاتنا إلى غابات ينهش القوى فيها الضعيف، إشباعًا للغرائز والحاجات المادية..


وما أحسب تخلفنا عن ركب التطور ومسار التاريخ إلا لأننا تخلينا عن مكارم الأخلاق، وأهملنا رسالتنا الحضارية المتميزة التي نقلت المجتمعات من طور البداوة والغشاوة إلى مصاف الحضارات العظمى والأمم الكبرى، حتى حفظت أمة الإسلام للإنسانية وجودها الحضاري، وأخرجتها من ظلام العصور الوسطى وغياهب الجهل وظلام التخلف إلى نور العلم والتمدين، اللذين تدين بهما أوروبا للإسلام وأهله.

لقد سادت أمتنا العالم بما أدته من أدوار تاريخية التزمت قويم الأخلاق، وأثمرت بالعلم والعمل والإيمان رقيًا وسموًا حفظ للإنسان بقاءه وللأخلاق روحها ورسم للإنسانية معالم التمدين.. لكن العبرة اليوم بالنتائج، فلا يكفي أن نسترجع أمجاد حضارة الإسلام أو حتى حضارة السبعة آلاف عام المصرية، بل علينا أن نتساءل: ماذا فعلنا بهذا الإرث الحضاري العظيم الذي ساد الدنيا قرونًا طويلة.. هل حافظنا على تفوق أجدادنا وعظمتهم.. هل أضفنا إليه شيئًا من عندنا يجعلنا خير خلف لخير سلف.. أم فرطنا فيه وضيعناه؟!

ظني أن هبَّة يناير 2011 ما ضلت طريقها، وتعرضت للسرقة من الإخوان إلا لتركيزها بالأساس على مطالب اجتماعية وسياسية دون أن تتخذ لها ظهيرًا أخلاقيًا، يحفظها من انحرافات سلوكية طفحت بالانتهازية وانحطاط القيم الاجتماعية، التي كانت أهم ما يميز مجتمعاتنا الشرقية المتدينة بفطرتها، الحاضنة لرسالات السماء وشرائع الأديان.

في الشرق انبلج فجر الضمير، وانبثقت ينابيع الأخلاق، وتدفق الرقي الإنساني لتتشكل أهم ركائز الحضارة وأعظم أعمدتها.. ولقد أفرزت أحداث يناير سلوكيات لا علاقة لها بالثورات الهادفة لإقرار المساواة والعدل والحرية وإعلاء الكرامة الإنسانية، ذلك أن لكل ثورة ناجحة كفتين إحداهما لهدم الفساد والأخرى للبناء والاستقرار ونشر الأمن والأمان.

لكن عالمنا العربي الذي اجتاحته ما عُرفت بثورات الربيع العربي ما وصل لحاله المتردية إلا لأن ثوراته قامت على كفة واحدة هي الهدم والهدم فقط؛ هدم الأنظمة وما انطوت عليه من مثالب دون أن يكون حاضرًا في أذهان المتظاهرين ونخبتهم إجابة شافية لسؤال حتمي: ماذا بعد إسقاط النظام.. ماذا بعد الهدم.. ما المشروع السياسي البديل.. وما مدى قابليته للحياة؟!

لم يكن أحد، بكل أسف، يملك خارطة طريق للبناء أو استعادة الدولة من براثن الفوضى وشفا الحروب الأهلية التي كانت قد شارفت عليها لولا لطف الله وعنايته.. ولا لقيام الدولة بوظيفتها الأساسية نحو المواطن، فضلًا عن وفائها بالتزاماتها نحو الخارج حتى لا تضار علاقتها به.. لكن ثورات الربيع العربي سقطت بلا استثناء في هذا المنزلق الخطير دون إيجاد بديل يمكنه تعويض غياب النظم والأركان الأساسية للدولة.

وأخشى ما أخشاه أن يؤدى الخلاف بين المجلس العسكري وقوي الحرية والتغيير في السودان الشقيق إلى الإضرار بالوطن وإدخاله في نفق مظلم لا قدر الله.
ونكمل غدًا..
الجريدة الرسمية