بي بي سي ومحمود فتحي
أصدر زميلنا الصحفي "محمود فتحي" كتابه الأول "فضائح بي بي سي"، متضمنا عدة وقائع تورطت فيها الآلة الإعلامية الكبرى حسب رؤيته فيما يمكن تسميته نشر نصف الحقيقة.. يقع الكتاب في مائة وستين صفحة من الحجم المتوسط، مركزا كل المادة المنشورة على "بي بي سي" العربية، ومستشهدا برؤى عدد من الصحفيين الذين تناولوا وقائع وأخبارا وتقارير مارست فيها المحطة نوعا من الإعلام غير المنصف.
سلك "محمود فتحى" أسلوب السهل الممتنع في تناوله تاريخ الـ"بي بي سي" وموقف عدد من الدول تجاهها، وعلى رأسها الصين التي حجبت الموقع، ثم يعرج على علاقة المحطة بتنظيمات إرهابية مارست العنف ضد البشرية في كل مكان، ومع ذلك تحظى بتغطية لأخبارها وأخبار قادتها، ومن بينها تنظيمات القاعدة وجبهة النصرة وولاية سيناء المزعومة، ولا يستبعد "محمود" وجود علاقة بين هذه التنظيمات والـ"بى بى سي".
ومما لاشك فيه أن قارئ الكتاب سيكتشف ببساطة المجهود الكبير الذي بذله "فتحي" في جمع العديد من الوقائع التي تورطت فيها المحطة والموقع الإلكتروني، ليس فقط بشأن الإرهاب، وإنما تعدى ذلك إلى ممارسة نوع من العنصرية ضد البشرة السمراء، وضد النساء، وتزوير في المصادر، وموقفها غير المحايد من الجيش الليبي، ودورها في موريتانيا وإثيوبيا، والتورط في نشر فيديوهات مزيفة.
كنت أتمني أن يتضمن الكتاب رؤى محايدة حول الدور الذي تقوم به الـ"بى بى سي" وغيرها من الآلات الإعلامية الغربية والموجهة إلى العرب من روسيا وأمريكا وفرنسا والصين، لأن هذه الدول تدرك تماما القيمة الفعلية والقدرات الحقيقية لحرب الكلمة وهو ما نفتقده في عالمنا العربى، الذي يتملك إمكانيات فنية ومادية ضخمة، ومع ذلك لم تتوفر الإرادة في صنع وسيلة إعلام قادرة على التعبير عن المنطقة بأكملها.
أيضا أتصور أنه في إطار تغير أدوات الحرب في العصر الحديث يصبح من حق كل دولة أن تعبر عن نفسها، وأن الإشكالية الكبرى ليست في استهدافنا من قبل الإعلام الأجنبي بقدر ما هو حالة الضعف والوهن التي تعيشها الميديا العربية بسبب ضبابية الرؤية في عالمنا، وغياب الوازع الديمقراطي، مما يمنح وسائل الإعلام الأجنبية مصداقية قد يتصورها العامة مصداقية حقيقية لا تهدف إلا إلى تقديم الحقيقة وهو أمر منافٍ تماما للهدف الذي تقام من أجله هذه الوسائل.
وعلى العموم فان كتاب "فضائح بى بى سى" محاولة جيدة لقراءة الأهداف التي تسعى إليها وسائل الإعلام الناطقة بالعربية، تحتاج منا إلى استكمالها من قبل متخصصين يقدمون تحليلا تاريخيا لما قدمته هذه الوسائل من خدمات إعلامية في المنطقة العربية، والأهداف الحقيقية التي تسعى لتحقيقها، ودور صناع القرار في المنطقة العربية لمواجهة الكلمة بالكلمة، بدلا من عصبية الرد التي تساعد الآخرين على تحقيق أهدافهم.