رئيس التحرير
عصام كامل

زفة عزال


عادة سيئة، تحولت إلى مألوفة، تمارسها طبقات عديدة داخل المجتمع، خاصة في بعض المناطق الشعبية والقرى، وهي «زفة العِزال».

تقوم تلك الزفة على استئجار سيارات لنقل الأثاث الخاص بالعروس من منزل أبيها إلى عش الزوجية، وفى هذا فرحة كبيرة بلا شك، وفى الواقع مقدار هذا الأثاث تستوعبه ثلاث سيارات على الأكثر، ويتم من أجله استئجار عشرة، ويتم توزيع قطع الأثاث على السيارات العشر في مشهد كوميدي فاضح، كي يبدو الأمر وكأنه أسطول اسطوري، وتجهيز غير مسبوق للفتاة أمام جيرانها وأهالي منطقتها وأهل خطيبها.


يتناقل الجيران والأهل الحدث: (دول جايبين لها جهازها في عشر عربيات نقل)، ما يوحي أنه تم تأسيس قصر مشيد ستعيش به الفتاة، وليست مجرد شقة بسيطة لشابين في مقتبل العمر، ويصاحب تلك الزفة جحافل شباب وفتيات يصاحبهم مضخم صوت يصدر نغمات وضوضاء عالية (دي جى)، ولا يمنع الأمر من الرقص بالسيوف والمطاوي والألعاب النارية على وقع الفرحة.

لا أقول بحجب الفرحة في القلوب ووأدها في الصدور، ولكن لا بدّ أن يكون كل شيء بمقدار وميزان معقول مراعاة لمشاعر الآخرين، فتلك الفتاة الفقيرة التي ترى زفة جارتها الصاخبة، فيعتمل الألم في داخلها، وتتحسر على حالها وتنقم على حياتها، وتلك الأسرة غير القادرة على تجهيز ابنتها مثل الآخرين، فيصاب ربها سواء كان رجلا أم امراة تولت زمام المسؤولية بعده، بالقنوط والإحباط والحزن، أو فتاة لم يُقدر لها الزواج بعد، فضلا عن ضوضاء وصخب وهيستريا الألعاب النارية وخطورة الأسلحة البيضاء.

دفعنى الفضول ذات مرة لسؤال إحدى الأمهات بعد أن أخبرتني أن عِزال أبنتها ستحمله ١٢ سيارة نقل: «ليه كل العدد ده من السيارات مع أن العفش يمكن تحميله في سيارتين فقط ولا داعي للإسراف»، فنظرت إليّ شذرا، ووضعتني بلا شك في خانة الحاقد قائلة: «انت مش عايزنا نفرح وندخل على أهل العريس معرشين ولا إيه؟!».

لايدوم فخر كاذب، ولا انتشاء على حساب وجع الآخرين، ولو مارسنا الفرح أو الحزن، كلًّا بمقداره المناسب وحجمه الحقيقي، دون مبالغة، أو كسر لقلوب البسطاء، لكان أفضل وأوقع في النفوس.

لنفرح نعم، ولكن في هدوء بلا صخب أو تعد على الحقوق، أو انتهاك للفقراء واحتياجهم، ولندرك أن قوام بيت الزوجية السليم هو التوسط والاعتدال، وحفظ قلوب من لا يملكون.
الجريدة الرسمية